من السماء والأرض أي من السماء المطر ومن الأرض النبات (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) مستأنف (١)(فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) أي فأنى تصرفون عن هذا الظاهر فكيف تشركون المنحوت بمن (٢) له الملكوت؟ ثم لما بين الأصل الأول وهو التوحيد ذكر الأصل الثاني وهو الرّسالة فقال : (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ) يسلي (٣) نبيه ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ثم بين من حيث الإجمال أن المكذب في العذاب (و) (٤) غير المكذب له الثواب بقوله : (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) ثم بين الأصل الثالث وهو الحشر فقال : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ) يعني وعد القيامة (فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) أي الشيطان (٥). وقرأ العامة بفتح «الغرور» وهو صفة مبالغة كالصّبور والشّكور. وأبو السّمّال وأبو حيوة بضمّها (٦) ؛ إما جمع غار كقاعد وقعود وإمّا مصدر كالجلوس.
قوله تعالى : (إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ (٦) الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (٧) أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ (٨) وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ)(٩)
قوله : (إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ) لما قال تعالى : (وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) ذكر ما يمنع العاقل من الاغترار وقال (٧) : (الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا) ، ولا تسمعوا قوله. وقوله: (فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا) أي اعملوا ما يسوؤه وهو العمل الصالح. ثم قال : (إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا) أي أشياعه (لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ). (و) (٨) في الآية إشارة إلى معنى لطيف وهو أن من يكون له عدو فإما أن يعاديه مجازاة له وإما أن يرضيه فلما قال تعالى : (إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ) أمرهم بالعداوة وأشار إلى أن الطريق ليس إلا هذا. وأما الإرضاء فلا فائدة فيه لأنكم إن أرضيتموه (٩) واتّبعتموه فهو لا يؤدّيكم إلا إلى السعير. واعلم أن من علم أن له عدوا لا مهرب له منه وجزم بذلك فإنه يقف له ويصبر معه على
__________________
(١) الكشاف ٣ / ٢٩٩.
(٢) الرازي ٢٦ / ٤ و ٥.
(٣) في «ب» ليسلّي.
(٤) ساقط من «أ» وهي كما في «أ» في الفخر الرازي.
(٥) انظر ما سبق في تفسير الفخر الرازي ٢٦ / ٤ و ٥.
(٦) ذكرها الزمخشري في كشافه بدون نسبة انظر : الكشاف ٣ / ٣٠٠ ونسبت في القرطبي ١٤ / ٣٢٣ والبحر ٧ / ٣٠٠ وهي شاذة.
(٧) في «ب» : فقال وفي الفخر كما هنا في «أ».
(٨) زيادة من «ب».
(٩) في «ب» أوصيتموه وفي الرازي راضيتموه.