يَرْفَعُهُ). وقال ـ عليه (الصلاة و) السلام ـ «لم يقبل الله قولا إلّا بعمل ولا قولا وعملا إلّا بنيّة». ومن قال الهاء في قوله «يرفعه» راجعة إلى العمل الصالح أي الكلم الطيب يرفع العمل الصالح فلا يقبل عمل إلا أن يكون صادرا عن التوحيد. وهذا معنى قول الكلبي ومقاتل. وقال سفيان بن عيينة : العمل الصالح هو الخالص يعني أن الإخلاص سبب قبول الخيرات من الأقوال والأفعال لقوله تعالى : (فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) [الكهف : ١١٠] فجعل نقيض العمل الصالح الشّرك والرياء(١).
فصل
قوله : (وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ) ، «يمكرون» أصله قاصر فعلى هذا ينتصب (٢) «السيّئات» على نعت مصدر محذوف أي المكرات السيئات (٣) أو نعت لمضاف إلى (مصدر) (٤) أي أصناف المكرات السيئات (٥). ويجوز أن يكون «يمكرون» مضمنا معنى يكسبون فينتصب «السيّئات» مفعولا به (٦). قال الزمخشري (٧) : ويحتمل أن يقال استعمل المكر استعمال العمل فمعناه تعديته كما قال : (لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ) [النساء : ١٨] قال مقاتل : يعني الشرك. وقال أبو العالية : يعني الذين مكروا برسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ في دار النّدوة (٨) كما قال تعالى : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ) [الأنفال : ٣٠].
قوله : (وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ) هو مبتدأ و «يبور» خبره والجملة خبر قوله : (وَمَكْرُ أُولئِكَ)(٩) وجوّز الحوفيّ وأبو البقاء أن يكون «هو» فصلا بين المبتدأ أو الخبر وخبره (١٠). وهذا مردود بأن الفصل لا يقع قبل الخبر إذا كان فعلا إلّا أن الجرجانيّ (١١)
__________________
(١) نقل هذه الأقوال كلها الإمام البغوي في تفسيره معالم التنزيل ٥ / ٢٩٩ وانظر : لباب التأويل للإمام الخازن ٥ / ٢٩٨ و ٢٩٩.
(٢) في «ب» تنتصب بالتأنيث.
(٣) فحذف الموصوف وأقام الصفة مقامه وانظر البيان ٢ / ٢٨٧ ومشكل إعراب القرآن لمكي ٢ / ٢١٥ والكشاف ٣ / ٣٠٣ والبحر ٧ / ٣٠٤.
(٤) سقط من «ب».
(٥) البحر المحيط ٧ / ٣٠٤ والدر المصون ٤ / ٤٦٩.
(٦) المرجعان السابقان وانظر أيضا مشكل مكي ٢ / ٢١٥ والبيان ٢ / ٢٨٧ ، وإعراب النحاس ٣ / ٣٦٥ ، والكشاف ٣ / ٣٠٣.
(٧) الأصح أن هذا القول للفخر الرازي لا للزمخشري وقد نقل المؤلف عبارة الرازي خطأ وذلك أن الرازي نقل رأي الزمخشري السابق وعقب بعدها قائلا : «ويحتمل أن يقال : استعمل المكر استعمال العمل فعداه تعديته كما قال : الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ». وانظر : التفسير الكبير للفخر الرازي ٢٦ / ٩.
(٨) معالم التنزيل ٥ / ٢٩٩.
(٩) هذا رأي أبي حيان ٧ / ٢٠٤ ومن بعده تلميذه السّمين في الدر المصون ٤ / ٤٦٩.
(١٠) وهذا رأي ابن الأنباري أيضا في البيان ٢ / ٢٨٧ فقد قال : «وهو فصل بين المبتدأ والخبر وقد قدمنا أن الفصل يجوز أن يدخل بين المبتدأ والخبر إذا كان ـ أي الخبر ـ فعلا مضارعا و «يبور» فعل مضارع».
وانظر : التبيان ١٠٧٣ والبحر ٧ / ٢٠٤ والبيان ٢ / ٢٨٧.
(١١) الجرجاني هو الإمام عبد القاهر صاحب النظم المعروف والمؤلف قد نقل كلام أبي حيان من البحر ـ