جوز ذلك ، وجوز أبو البقاء أيضا أن يكون «هو» تأكيدا (١) وهذا مردود بأن المضمر لا يؤكد الظاهر(٢). ومعنى «يبور» يهلك ويبطل (٣) في الآخرة.
قوله تعالى : (وَاللهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ...) الآية» قد تقدم أن الدلائل مع كثرتها منحصرة في قسمين : دلائل الآفاق ودلائل الأنفس كما قال تعالى : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ) فلما ذكر دلائل الآفاق من السموات وما يرسل منها من الرياح شرع في دلائل الأنفس وتقدم ذكره مرارا أن قوله : (مِنْ تُرابٍ) إشارة إلى خلق آدم (ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ) إشارة إلى خلق أولاده. وتقدم أن الكلام غير محتاج إلى هذا التأويل بل خلقكم خطاب مع الناس وهم أولاد آدم ، وكلهم من تراب ومن نطفة لأن كلهم من نطفة والنطفة من غذاء والغذاء (ينتهي) (٤) بالآخرة إلى الماء والتراب فهو من تراب صار (٥) نطفة (ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً ذُكْراناً وَإِناثاً).
قوله : (مِنْ أُنْثى) من مزيدة في «أنثى» (٦) وكذلك في : (مِنْ مُعَمَّرٍ)(٧) إلا أن الأول فاعل وهذا مفعول قام مقامه و (إِلَّا بِعِلْمِهِ)(٨) حال أي إلّا ملتبسة بعلمه.
قوله : (مِنْ عُمُرِهِ) في هذا الضمير قولان :
أحدهما : أنه يعود على «معمّر» آخر (٩) لأن المراد بقوله : (مِنْ مُعَمَّرٍ) الجنس فهو يعود عليه لفظا لا معنى ، لأنه بعد أن فرض كونه معمرا استحال أن ينقص من عمره نفسه كقوله (١٠) :
٤١٥٥ ـ وكلّ أناس قاربوا قتل فحلهم |
|
ونحن خلعنا قيده فهو سارب (١١) |
ومنه : عندي درهم ونصفه أي ونصف درهم آخر.
__________________
ـ فقد قال أبو حيان : «ولم يذهب إلى ذلك أحد فيما علمناه إلا عبد القاهر الجرجاني في شرح الإيضاح له فإنه أجاز «كان زيد هو يقوم» أن يكون «هو» فصلا وردّ ذلك عليه». البحر المحيط ٧ / ٣٠٤.
(١) التبيان ١٠٧٤.
(٢) البحر المحيط ٧ / ٣٠٤ والدر المصون ٤ / ٤٧٠.
(٣) غريب القرآن ٣٦٠.
(٤) سقط من «ب».
(٥) تفسير الرازي ٢٦ / ٩ و ١٠.
(٦) الدر المصون ٤ / ٤٧٠.
(٧) الدر المصون ٤ / ٤٧٠ والبحر المحيط ٧ / ٣٠٤.
(٨) قاله الكشاف ٣ / ٣٠٣ وانظر المرجعين السابقين.
(٩) قاله الفراء في معانيه ٢ / ٣٦٨ وانظر : البحر والدر السابقين.
(١٠) في «ب» كقول الشاعر.
(١١) من الطويل للأخنس بن شهاب ويروى : «شدّدوا» بدل قاربوا كما يروى : أرى كل قوم بدل «وكل أناس». وهو يفتخر بقومه وبحيواناتهم وغير قومه قد ربطوا وقيدوا حيواناتهم حتى لا تجور على الغير أما هم فلم يقيدوها فهي سارحة في الشاسع من الأرض. والشاهد : في «قيده» حيث أن الهاء لا تعود على ضمير الفحل الذي يخص غيرهم وإنما يعود على فحل الشاعر وقومه. وبهذا يصح التنظير بالآية ، وقد تقدم.