إِلَّا بِعِلْمِهِ) كمال علمه. ثم بين نفوذ إرادته بقوله : (وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ) فبين أنه هو القادر العليم (١) المريد والأصنام لا قدرة لها (ولا علم) (٢) ، ولا إرادة فكيف يستحق شيء منها العبادة. ثم قال : (إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) أي الخلق من التراب. ويحتمل أن يكون المراد إن التعمير والنقصان على الله يسير. ويحتمل أن يكون المراد : إن العلم بما تحمله الأنثى يسير والكل على الله يسير. والأول أشبه لأن استعمال اليسير في الفعل (٣) أليق.
قوله : (وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ) يعني العذب والملح ثم ذكرهما فقال : (هذا عَذْبٌ فُراتٌ) طيب (سائِغٌ شَرابُهُ) جائز في الحلق هنيء (وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ) شديد الملوحة. وقال الضحاك : هو المرّ (٤).
قوله : (سائِغٌ شَرابُهُ) يجوز أن يكونا (٥) مبتدأ وخبرا ، والجملة خبر ثان وأن يكون «سائغ» خبرا و «شرابه» فاعلا به لأنه اعتمد (٦) ، وقرأ عيسى ـ ويروى عن أبي عمرو وعاصم ـ سيّغ مثل سيّد وميّت (٧). وعن عيسى (٨) بتخفيف يائه كما يخفف هيّن وميّت. وقرأ طلحة وأبو نهيك ملح بفتح الميم وكسر (٩) اللام ، فقيل : هو مقصور من مالح ومالح لغيّة (١٠) شاذة. وقيل : ملح بالفتح والكسر لغة في ملح ، بالكسر والسكون (١١).
فصل
قال أكثر المفسرين : إن المراد من الآية ضرب المثل في حق الكفر والإيمان أو الكافر والمؤمن فالإيمان لا يشبّه بالكفر كما لا يشبه البحر العذب الفرات بالبحر الملح الأجاج ثم على هذا فقوله : (وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا) فالبيان أن حال الكافر والمؤمن أو الكفر والإيمان دون حال البحرين لأن الأجاج يشارك الفرات في خير ونفع إذ اللحم
__________________
(١) في «ب» العالم.
(٢) سقط من «ب».
(٣) انظر : الفصل السّابق في تفسير الرازي ٢٦ / ١٠.
(٤) انظر هذه المعاني في القرطبيّ ١٤ / ٣٣٤ والبغوي ٥ / ٢٩٩.
(٥) في «ب» يكون بالإفراد وانظر : التبيان ـ في الإعراب الثاني ـ ١٠٧٤ والدّرّ المصون والتبيان في الإعرابين ١٠٧٤ والدر ٤ / ٤٧١.
(٦) أي على نفي وهو «ما» في أول الآية.
(٧) كذا رواها ابن خالويه في المختصر ١٢٣ بالتشديد وانظر البحر المحيط ٧ / ٣٠٥.
(٨) أورد ابن جني في المحتسب هذه القراءة ولم يورد الأولى ولعل ابن خالويه ومن تابعوه قد رووها خطأ عنه ولعلهما قراءتان تنسبان له. وانظر : البحر المحيط ٧ / ٣٠٥ والمحتسب ٢ / ١٩٨.
(٩) المحتسب والبحر المرجعان السابقان. وأبو نهيك هو : علباء بن أحمد أبو نهيك اليشكريّ الخراسانيّ له حروف من الشواذ تنسب إليه عرض على شهر بن حوشب ، انظر : غاية النهاية ١ / ٥١٥.
(١٠) تصغير لغة. وانظر المحتسب ١ / ١٧١ و ٢ / ٨٢ و ١٩٩.
(١١) انظر : البحر المحيط ٧ / ٣٠٥.