الطريّ يوجد فيهما والحلية تؤخذ منهما والفلك تجري فيهما ولا نفع في الكفر والكافر. وهذا على (١) نسق قوله تعالى : (أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُ) [الأعراف : ١٧٩] وقوله : (كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ) [البقرة : ٧٤]. قال ابن الخطيب : والأظهر أن المراد منه ذكر دليل آخر على قدرة الله تعالى وذلك من حيث إن البحرين يستويان في الصورة ويختلفان في الماء (٢) ، فإن أحدهما فرات والآخر ملح أجاج ولو لا ذلك بإيجاب (٣) موجب (٤) ، لما اختلف المستويان ثم إنهما بعد اختلافهما يوجد (٥) منهما أمور متشابهة فإن اللحم الطريّ يوجد فيهما والحلية تؤخذ منهما ومن يوجد من المتشابهين اختلافا ومن المختلفين اشتباها لا يكون إلا قادرا مختارا فقوله : (وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ) إشارة إلى أن عدم استوائهما دليل على كمال قدرته ونفوذ إرادته.
فصل
قال أهل اللغة : لا يقال لماء البحر إذا كان فيه ملوحة مالح وإنما يقال له : ملح. وقد يذكر في بعض كتب الفقه يصير بها ماء البحر مالحا. ويؤاخذ (٦) قائله (به) (٧). وهو أصح مما يذهب إليه القوم وذلك لأن الماء العذب إذا ألقي فيه ملح حتى ملح لا يقال له إلا مالح. وماء ملح يقال للماء الذي صار من أصل خلقته كذلك لأن المالح (٨) شيء فيه ملح ظاهر في الذّوق والماء الملح ليس ماء وملحا بخلاف الطعام المالح فالماء العذب الملقى فيه الملح ما فيه ملح ظاهر في الذّوق بخلاف (ما هو ملح ظاهر (٩) في الذّوق بخلاف) ما هو من أصل خلقته كذلك (فلما) (١٠) قال الفقيه : الملح أجزاء أرضيّة سبخة يصير بها ماء البحر مالحا راعى فيه الأصل فإنّه جعله ماء جاوره ملح. وأهل اللغة حيث قالوا في البحر ماؤه ملح جعلوه كذلك من أصل الخلقة والأجاج المرّ كما تقدم.
قوله : (وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا) من الطّير والسّمك من العذب والملح جميعا (وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً) يعني من الملح دون العذب «تلبسونها» من اللّؤلؤ والمرجان. وقيل : نسب اللؤلؤ إليهما لأنه قد يكون في البحر الأجاج (عيون) (١١) عذبة تمتزج بالملح فيكون
__________________
(١) في «ب» نسق على بتقديم وتأخير.
(٢) كذا هي في الرازي وما في «ب» المادة. وانظر في هذا تفسير الرازي ٢٦ / ١٠ و ١١.
(٣) في «ب» بإيجاد وفي الفخر كما في «أ» بإيجاب.
(٤) في «ب» موجد ولم توجد تلك اللفظة في الرازي.
(٥) في «ب» يؤخذ وما هنا يوافق الفخر الرازي.
(٦) كذا في الرازي وما في «ب» يؤخذ.
(٧) زيادة من «ب» والرازي.
(٨) في «ب» الملح وهو تحريف.
(٩) ما بين القوسين ساقط من «ب».
(١٠) زيادة من الرازي عن النسختين.
(١١) سقط من «ب».