تنبيها لا تفهيما فإنه يحسن تعريف الخبر كقول القائل : «الله ربنا ومحمد نبينا» حيث عرف كون الله ربنا وكون محمد نبينا وههنا لما كان كون الناس فقراء أمرا ظاهرا لا يخفى على أحد قال : (أَنْتُمُ الْفُقَراءُ)(١) ، وقوله : (إِلَى اللهِ) إعلام بأنه لا افتقار إلا إليه ولا اتّكال إلا عليه. وهذا يوجب عبادته لكونه مفتقرا إليه وعدم عبادة غيره لعدم الافتقار إلى غيره ثم قال : (وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ) أي هو مع استغنائه يدعوكم كل الدعاء وأنتم مع احتياجكم لا تجيبونه (٢).
قوله : (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ) وهذا بيان لغناه وفيه بلاغة كاملة لأن قوله تعالى : (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ) أي ليس إذهابكم موقوفا إلا على مشيئته بخلاف الشيء المحتاج إليه فإن المحتاج إلى الشيء لا يقال فيه : إن شاء فلان هدم داره (٣) ، وإنما يقال (٤) : لو لا حاجة السّكنى إلى الدار لبعتها ، ثم إنه تعالى زاد على بيان الاستغناء (٥) بقوله : (وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ) يعني إن كان يتوهم متوهم أنّ هذا الملك كمال وعظمة فلو أذهبه لزال ملكه وعظمته فهو قادر أن (٦) يخلق خلقا جديدا أحسن من هذا (وأجمل) (٧).
(وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ) أي الإذهاب والإتيان. واعلم أن لفظة «العزيز» استعمله الله تارةفي القائم بنفسه فقال في حق نفسه : (وَكانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزاً) [الأحزاب : ٢٥] وقال في هذه السورة : (عَزِيزٌ غَفُورٌ) واستعمله تارة في القائم بغيره فقال : (وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ) وقال: (عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ) [التوبة : ١٢٨] فهل هما بمعنى واحد أو بمعنيين؟ فنقول : العزيز في اللغة هو الغالب والفعل (٨) إذا كان لا يطيقه شخص يقال (٩) : هو مغلوب بالنسبة إلى ذلك الفعل فقوله (١٠): (وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ) أي ذلك الفعل لا يغلبه بل هو هيّن على الله وقوله : (عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ) أي يحزنه ويؤذيه كالشّغل (الشّاغل) الغالب (١١).
__________________
(١) نقله الإمام الرازي في تفسيره في إحدى مسائله التي تكلم فيها مع تغيير طفيف في عبارته. وقد نقل الشيخ يس في حاشيته على التصريح تقريرا يؤكد قول الرازي حيث قال : «المبتدأ حقه أن يكون معلوما لأن الحكم على المجهول بعيد عن التحصيل والخبر أن يكون مجهولا لأن الحكم بالمعلوم سعي في تحصيل الحاصل» انظر حاشية الشيخ يس على شرح التصريح للشيخ خالد الأزهري ١ / ١٦٨ وانظر : تفسير الرازي ٢٦ / ١٣.
(٢) ولا تدعونه فيجيبكم. وانظر : المرجع السابق.
(٣) وأعدم عقاره.
(٤) في الفخر : «وإنما يقول».
(٥) المرجع السابق.
(٦) في (ب) بأن.
(٧) زيادة من (ب.
(٨) في (ب) : والعقل وهو تحريف.
(٩) في «ب» : فقال تحريف.
(١٠) في (ب) : بقوله تحريف.
(١١) وانظر الرازي ٢٦ / ١٤.