في قوله : (وَلَا الظُّلُماتُ) إلى آخره مكررة لتأكيد النفي (١). وقال ابن عطية : دخول «لا» إنما هو على نية التكرار كأنه قال : ولا الظلمات والنور ولا النور (٢) والظلمات فاستغنى بذكر الأوائل عن الثّواني ودل مذكور الكلام على متروكه. قال أبو حيان : وهذا غير محتاج إليه لأنه إذا نفي استواؤهما أولا فأي فائدة في نفي (٣) استوائهما ثانيا؟ وهو كلام حسن إلا أن أبا حيان هنا قال : فدخول «لا» في النفي لتأكيد معناه (٤) كقوله : (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ) [فصلت : ٣٤] وللناس في هذه الآية قولان :
أحدهما : ما ذكر.
والثاني : أنها غير مؤكدة إذ يراد بالحسنة الجنس وكذلك السّيّئة فكل واحد منهما متفاوت في جنسه لأن الحسنات درجات متفاوته وكذلك السيئات (٥). وسيأتي تحقيق هذا إن شاء الله تعالى. فعلى هذا يمكن أن يقال بهذا هنا (٦) في الظاهر ؛ إذ المراد مقابلة هذه الأجناس بعضها ببعض لا مقابلة بعض أفراد كل جنس على حدته ويرجح هذا الظاهر التصريح بهذا في قوله أولا : (وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ) حيث لم يكررها وهذا من المواضع الحسنة المفيدة. «والحرور» شدة حر الشمس (٧) ، وقال الزمخشري : الحرور السّموم إلا أنّ السّموم بالنهار والحرور فيه وفي الليل (٨). قال شهاب الدّين : وهذا (٩) مذهب الفراء (١٠) وغيره. وقيل : السموم بالنهار والحرور بالليل خاصة. نقله ابن عطية عن (١١) رؤبة. وقال : ليس بصحيح بل الصحيح ما قاله الفراء. وهذا عجيب منه كيف يرد على أصحاب اللّسان بقول من يأخذ عنهم (١٢)؟ وقرأ الكسائي ـ في رواية زاذان (١٣) ـ عنه
__________________
(١) المرجع السابق وانظر أيضا : البحر المحيط لأبي حيان ٧ / ٣٠٨.
(٢) نقله عنه الإمام أبو حيان في البحر المرجع السابق. وقال أبو البقاء في التبيان : «لا» فيها زائدة لأن المعنى : الظلمات لا تساوي النور ، وليس المراد أن النور في نفسه لا يستوي وكذلك (لا) في «ولا الأموات». انظر : التبيان ١٠٧٤.
(٣) في البحر : «في تقدير نفي».
(٤) قال : «وأنت تقول : ما قام زيد ولا عمرو فتؤكد بلا معنى النفي فكذلك هذا». البحر ٧ / ٣٠٨.
(٥) قاله الكشاف ٣ / ٣٠٦ معنى والدر المصون ٤ / ٤٧٤ لفظا.
(٦) وهو أن المراد نفي استواء الظلمات ونفي استواء النور إلا أن هذا غير مراد هنا في الظاهر وانظر : الدر المصون ٤ / ٤٧٤ والكشاف ٣ / ٤٥٣ و ٤٥٤.
(٧) قال في الغريب : «هذا المثل للجنّة والنار» انظر : الغريب ٣٦١.
(٨) قاله في الكشاف ٣ / ٣٠٦.
(٩) الدر المصون ٤ / ٤٧٤.
(١٠) لم أجدها في معانيه ونقلها عنه القرطبي في الجامع ١٤ / ٣٣٩ والسمين في الدر ٤ / ٤٧٤.
(١١) نقله أبو حيان في البحر ٧ / ٣٠٩ كما نقله أبو عبيدة في المجاز ٢ / ١٥٤ عنه.
(١٢) البحر المحيط السابق.
(١٣) هو إبراهيم بن زاذان روى عن عليّ بن حمزة الكسائي. انظر ترجمته في غاية النهاية ١ / ١٤ وانظر القراءة في البحر المحيط ٧ / ٣٠٨ ومختصر ابن خالويه ١٢٣ والدر المصون ٤ / ٤٧٥.