لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (٣٦) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (٣٧) إِنَّ اللهَ عالِمُ غَيْبِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ)(٣٨)
قوله : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً). قيل : الخطاب للنبي ـ صلىاللهعليهوسلم (١) ـ وفيه حكمة وهي أن الله تعالى لما ذكر الدلائل ولم ينتفعوا قطع الكلام منهم والنعت إلى غيرهم كما أن السيد إذا نصح بعض عبيده ولم ينزجر يقول لغيره : اسمع ولا تكن مثل هذا. ويكرر معه ما ذكره للأول ويكون فيه إشعار بأن الأول فيه نقيصة لا يصلح للخطاب فيتنبّه له ويدفع عن نفسه تلك النقيصة وأيضا فلا يخرج إلى كلام أجنبيّ عن الأول بل يأتي بما يقاربه لئلا يسمع الأول كلاما آخر فيترك التفكر فيما كان من النصيحة (٢).
قوله : «فأخرجنا» هذا التفات من الغيبة إلى التكلم وإنما كان كذلك لأن المنة بالإخراج أبلغ من إنزال الماء و «مختلفا» نعت «لثمرات» (٣) و «ألوانها» فاعل (٤) به. ولو لا ذلك لأنّث «مختلفا» ولكنه لما أسند إلى جميع تكسير غير عاقل جاز تذكيره ولو أنث فقيل مختلفة كما يقول اختلفت ألوانها لجاز. وبه قرأ (٥) زيد بن علي.
قوله : (وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ) العامة على ضم الجيم وفتح الدال جمع «جدّة» وهي الطريقة. قال ابن بحر (٦) : قطع من قولك : جددت الشّيء قطعته (٧). وقال أبو الفضل الرازي : هي ما يخالف من الطرائق لون ما يليها (٨). ومنه جدّة الحمار للخط الذي في ظهره (٩). وقرأ الزّهريّ (١٠) جدد بضم الجيم والدال (١١) جمع جديدة يقال : جديدة وجدد وجدائد ، قال أبو ذؤيب :
__________________
(١) في «ب» ـ عليه الصلاة والسلام ـ.
(٢) نقله الرازي في تفسيره ٢٦ / ١٩ و ٢٠.
(٣) وهو نعت سببي فقد خالف المنعوت وهو «ثمرات» من حيث التذكير والتأنيث. ووافقه الإعراب نصبا بينما وافق ما بعده وهو «ألوان» في التذكير. وانظر في إعرابه القرطبي ١٤ / ٣٤١ والبحر ٧ / ٣١٠ والدر المصون ٤ / ٤٧٧.
(٤) التبيان للعكبري ١٠٧٥.
(٥) من شواذ القراءات وإن كانت العربية تبيحها انظر : المرجعين السابقين البحر ٧ / ٣١١ والدر ٤ / ٤٧٧.
(٦) عمرو بن عليّ بن بحر بن كثير ، الإمام أبو حفص الباهلي الصيرفي أحد الأعلام ، وصاحب التفسير.
مات سنة ١٦٠ ه ، وانظر : طبقات المفسرين للداودي ٢ / ١٩ و ٢٠.
(٧) نقل عنه في البحر ٧ / ٣١١ والقرطبي ١٤ / ٤٣٢.
(٨) البحر المحيط ٧ / ٣١١.
(٩) الكشاف ٣ / ٣٠٧ والبحر المرجع السابق ومعاني الفراء ٢ / ٣٦٩ ومعاني الزجاج ٤ / ٢٦٩.
(١٠) في «ب» الزهوي تحريف.
(١١) نقلها القرطبي في ١٤ / ٣٤٢ وابن جني في المحتسب ٢ / ١٩٩.