فصل
لما بين حال من يسعى في التكذيب في الآخرة بين حاله في الدنيا وهو أن سعيه باطل فإن من أوتي علما لا يعتبر تكذيبه وهو يعلم أن ما أنزل إلى محمد عليه (الصلاة و) (١) السلام حق وصدق وقوله: هو الحقّ يفيد الحصر أي ليس الحق إلا ذلك وأما قول المكذب فباطل بخلاف ما إذا تنازع خصمان والنزاع لفظي فيكون قول كل واحد حقا في المعنى (٢) ، قال المفسرون : (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) يعني مؤمني أهل (٣) الكتاب عبد الله بن سلام وأصحابه (الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ) يعني القرآن هو الحق يعني أنه من عند الله.
قوله : «ويهدي» فيه أوجه :
أحدها : أنه مستأنف (٤) وفي فاعله احتمالان : أظهرهما : أنّه ضمير «الّذي» وهو القرآن. والثاني : ضمير الله تعالى ويتعلق (٥) هذا بقوله : (إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) ؛ إذ لو كان كذلك لقيل: إلى صراطه ويجاب بأنه من الالتفات ومن إبراز المضمر ظاهرا تنبيها على وصفه بهاتين الصّفتين (٦).
الوجه الثاني : أنه معطوف على موضع «الحقّ» و «أن» معه مضمرة تقديره هو الحق والهداية.
الثالث : أنه عطف على «الحق» عطف فعل على اسم لأنه في تأويله (٧) كقوله تعالى : (صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ) [الملك : ١٩] أي وقابضات كما عطف الاسم على الفعل بمعناه كقوله:
٤١٠٦ ـ فألفيته يوما يبير عدوّه |
|
ومجر عطاء يستخفّ المعابرا (٨) |
كأنه قيل : وليروه الحق وهاديا.
الرابع : أن «ويهدي» حال من (الَّذِي أُنْزِلَ) ولا بدّ من إضمار مبتدأ أي وهو يهدي كقوله:
__________________
(١) سقط من «أ».
(٢) هذا قول الفخر الرازي في تفسيره المسمى بالتفسير الكبير ٢٥ / ٢٤٣.
(٣) الجامع لأحكام القرآن ١٤ / ٢٦١.
(٤) الدر المصون ٤ / ٤١١.
(٥) الأصح كما في «أ» والسمين «ويقلق».
(٦) أورد هذه التوجيهات السمين في الدر ٤ / ٤١١ وانظر : التبيان ١٠٦٣ والبحر المحيط ٧ / ٢٥٩.
(٧) المراجع السابقة.
(٨) البيت لنابغة ذبيان وهو من الطويل ويبير : يهلك ، والمعابر : جمع معبر وهو الجمل الكثير الوبر ، والشاهد : «ومجر عطاء» عطف الاسم هذا على الفعل وهو يبير. ديوان النابغة ٧١ ، وقد تقدم.