حيوان وهو إما نبات وإما معدن والنبات أشرف فأشار إليه بقوله : (فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ) ثم ذكر المعدن بقوله : (وَمِنَ الْجِبالِ) ثم ذكر الحيوان وبدأ بالأشرف منها وهو الإنسان فقال : (وَمِنَ النَّاسِ) ثم ذكر الدواب ، لأن منافعها في حياتها والأنعام منفعتها في الأكل منها أو لأن الدابة (١) في العرف تطلق (٢) على الفرس وهو بعد الإنسان أشرف من غيره. وقوله : (مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ) القول فيه كما تقدم أنها في أنفسها دلائل كذلك باختلافها دلائل. وقوله : (مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ) مذكرا ؛ لكون (٣) الإنسان من جملة المذكور فكان التذكير أولى (٤).
قوله : «كذلك» فيه وجهان :
أظهرهما : أنه متعلق بما قبله أي مختلف اختلافا مثل (٥) الاختلاف في الثّمرات والجدد والوقف على «كذلك» (٦).
والثاني : أنه متعلق بما بعده والمعنى مثل ذلك المطر والاعتبار بمخلوقات (٧) الله واختلاف ألوانها يخشى الله العلماء. وإلى هذا نحا ابن عطيّة (٨). وهو فاسد من حيث إن ما بعد «إنّما» مانع من العمل فيها قبلها (٩). وقد نصّ أبو عمرو الدّانيّ (١٠) على أن الوقف على «كذلك» تام. ولم يحك فيه خلافا(١١).
قوله : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ) العامة على نصب الجلاله ورفع «العلماء» وهي واضحة. وقرأ عمر بن عبد العزيز وأبو حنيفة ـ فيما نقله الزمخشريّ (١٢) ـ وأبو حيوة ـ فيما نقله الهذلي (١٣) في كامله ـ بالعكس. وتؤوّلت على معنى التعظيم أي إنما يعظم الله من
__________________
(١) كذا هنا وفي الفخر وما في «ب» لأن الدواب.
(٢) في «ب» يطلق.
(٣) في «ب» اللون خطأ وفي الفخر : فذكر الكون.
(٤) انظر : الرازي ٢٦ / ٢٠.
(٥) قاله الزمخشري في الكشاف ٣ / ٣٠٧ والنحاس في الإعراب ٤ / ٣٧١ ومكي في المشكل ٢ / ٢١٧ وأبو البقاء في التبيان ١٠٧٥ وأبو حيان في البحر ٧ / ٣١٢.
(٦) حسن. قال بذلك أبو حيان في السابق.
(٧) في «ب» في مخلوقات الله.
(٨) البحر المحيط ٧ / ٣١٢.
(٩) قاله أبو حيان في المرجع السابق والسمين في الدر ٤ / ٤٨١.
(١٠) عثمان بن سعيد بن عثمان أبو عمرو الداني الأموي مولاهم القرطبي المعروف في زمانه بابن الصيرفي الإمام الحافظ أستاذ وشيخ مشايخ المقرئين. أخذ القراءة عن خلف بن إبراهيم وغيره وقرأ عليه إسحاق بن إبراهيم الفيسوني وغيره له مؤلفات ضخمة ونافعة مات سنة ٤٤٤ ه الغاية ١ / ٥٠٣ ـ ٥٠٥.
(١١) انظر : المكتفى في الوقف والابتدا ٢٦٦ وقال القرطبي «كذلك» هنا تمام الكلام أي كذلك تختلف أحوال العباد في الخشية ثم استأنف فقال : «إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ».
(١٢) نقله في الكشاف ٣ / ٣٠٨ وقد نقلها القرطبي أيضا في الجامع ١٤ / ٣٤٤.
(١٣) الهذليّ : يوسف بن عليّ بن جبارة أبو القاسم الهذلي اليشكريّ الأستاذ الكبير والرحال والعلم الشهير أخذ عن أناس كثيرين وكتابه الكامل مشهور مات سنة ٤٦٥ ه. الغاية ٢ / ٣٩٧ : ٤٠١.