والثاني : أن الخبر (إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ)(١). (و) جوزه الزمخشري على حذف العائد أي غفور لهم (٢). وعلى هذا «فيرجون» حال من «أنفقوا» أي أنفقوا ذلك راجين (٣).
فصل
المراد بالذين يتلون كتاب الله أي قراء القرآن لما بين (٤) العلماء بالله وخشيتهم وكرامتهم بسبب خشيتهم ذكر العالمين بكتاب الله العاملين بما فيه فقوله : (يَتْلُونَ كِتابَ اللهِ) إشارة إلى الذكر وقوله: (وَأَقامُوا الصَّلاةَ) إشارة إلى العمل البدنيّ وقوله : (وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ) إشارة إلى العمل الماليّ. وفي الآية حكمة بالغة وهي قوله : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ) إشارة إلى عمل القلب. وقوله: (الَّذِينَ يَتْلُونَ) إشارة إلى عمل اللّسّان وقوله : (وَأَقامُوا الصَّلاةَ) إشارة إلى عمل الجوارح. ثم إن هذه الأشياء الثلاثة متعلقة بجانب تعظيم الله وقوله : (وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً) يعني الشفقة على خلقه. وقوله : (سِرًّا وَعَلانِيَةً) حثّ على الإنفاق كيفما تهيأ فإن تهيأ سرا فذاك وإلّا فعلانية ولا يمنعه ظنه (٥) أن يكون رياء فإن (٦) ترك الخير مخافة ذلك هو عين الرياء ويمكن أن يكون المراد بالسّرّ الصدقة المطلقة وبالعلانية الزكاة فإن الإعلان بالزكاة كالإعلان بالفرض وهو مستحب. (يَرْجُونَ تِجارَةً) وهي ما وعد الله من الثواب (لَنْ تَبُورَ) لن تفسد ولن تهلك (لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ) جزاء أعمالهم بالثواب (وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) قال ابن عباس : يعني سوى الثواب ما لم تر عين ولم تسمع أذن. ويحتمل أن يزيدهم النظر إليه كما جاء في تفسير الزيادة (٧)(نَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ). قال ابن عباس : يغفر الذنب العظيم من ذنوبهم ويشكر اليسير (٨) من أعمالهم. وقيل : غفور عند (٩) الإبطاء شكور عند إعطاء الزيادة.
قوله : (وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ) يعني القرآن (١٠). وقيل : اللّوح المحفوظ لما بين الأصل (الأول) (١١) وهو وجود الله الواحد بالدلائل في قوله : (اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ) وقوله : (اللهُ (الَّذِي) (١٢) خَلَقَكُمْ) وقوله : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً)
__________________
(١) الكشاف ٣ / ٣٠٨.
(٢) قال أيضا : «شكور على أعمالهم».
(٣) السابق.
(٤) نقله الفخر الرازي في تفسيره ٢٦ / ٢٢.
(٥) كذا في الفخر كما هنا وفي «ب» بأن يكون.
(٦) كذا هنا كما في الفخر وفي «ب» بأن. تحريف.
(٧) من قوله تعالى : «لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ» وهي الآية ٢٦ من يونس. وانظر : زاد المسير ٦ / ٤٨٧.
(٨) نقله البغوي في تفسيره ٦ / ٣٠٣.
(٩) قاله الرازي ٢٦ / ٢٢.
(١٠) البغوي المرجع السابق.
(١١) زيادة من «أ».
(١٢) زيادة من «ب» وهو ليس في القرآن.