فاختار محمّدا ولم يختر غيره (١) ، كقوله : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) [الأنعام : ١٢٤].
قوله : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا) (الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا) مفعولا أورثنا و «الكتاب» هو الثاني قدم لشرفه إذ لا لبس (٢). وأكثر المفسرين على أن المراد بالكتاب القرآن. وقيل: المراد جنس الكتاب ينتهي إلى الذين اصطفينا من عبادنا وتجويز أن يكون ثم بمعنى الواو وأورثنا كقوله : (ثُمَّ كانَ مِنَ (٣) الَّذِينَ آمَنُوا) ومعنى أورثنا أعطينا لأن الميراث عطاء. قاله مجاهد. وقيل : أورثنا : أخرنا ومنه الميراث لأنه أخر عن الميّت ومعناه : أخرنا (٤) القرآن من الأمم السالفة وأعطيناكموه وأهلناكم له(٥).
قوله : (مِنْ عِبادِنا) يجوز أن يكون للبيان على معنى إنّ المصطفين هم عبادنا وأن يكون للتبعيض أي إنّ المصطفين بعض عبادنا لا كلهم (٦). وقرأ أبو عمران الجوني (٧) ويعقوب وأبو عمرو ـ في رواية ـ سبّاق مثال مبالغة (٨).
فصل
قال ابن عباس : يريد بالعباد أمة محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ثم قسّمهم ورتّبهم فقال : (فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ). وروى أسامة بن زيد في هذه الآية قال : قال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ كلهم من هذه الأمة (٩) ، وروى أبو عثمان النهدي قال : سمعت عمر بن الخطاب قرأ على المنبر (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا) الآية فقال : قال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ سابقنا سابق ومقتصدنا ناج وظالمنا مغفور له (١٠).
وروى أبو الدّرداء قال : سمعت رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ قرأ هذه الآية (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ ...) الآية وقال : أما السابق بالخيرات فيدخل الجنة بغير حساب وأما المقتصد فيحاسب حسابا يسيرا وأما الظالم لنفسه فيجلس في المقام حتى يدخله الهم ثم يدخل الجنة ثم قرأ : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ)(١١).
__________________
(١) السابق.
(٢) نقله في الدر ٤ / ٤٨٢.
(٣) معالم التنزيل للبغوي ٥ / ٢ والآية ١٧ من سورة البلد أي وكان من الذين آمنوا.
(٤) في «ب» أخّر بدون «نا».
(٥) نقله البغوي في تفسيره المرجع السابق.
(٦) قاله السمين في الدر ٤ / ٤٨٢.
(٧) هو : عبد الملك بن حبيب الأزدي أبو عمران الجوني البصري أحد العلماء عن جندب وأنس وعنه سليمان التّيميّ والحمّادان مات سنة ١٢٨ ه. الخلاصة ٢٤٣.
(٨) البحر ٧ / ٣١٣ والمختصر ١٢٤ وفي البحر : أبو عمران الحوفي تحريف.
(٩) كذا أورده البغوي في تفسيره عن أسامة.
(١٠) المرجع السابق ٥ / ٣٠٢ وانظر فيهما الخازن في لباب التأويل ٥ / ٣٠٢ و ٣٠٣.
(١١) أخرجه البغوي بسنده عن أبي ثابت. البغوي ٥ / ٣٠٣ و ٣٠٢ وكذلك الخازن في لباب التأويل.