وأجاب فقال : فإن قلت : فكيف جعلت (جَنَّاتُ عَدْنٍ) بدلا من «الفضل» الذي هو السبق بالخيرات (المشار (١) إليه بذلك؟ قلت : لما كان السبب في نيل الثواب نزل منزلة المسبب كأنه هو الثواب) فأبدل (٢) عنه (جَنَّاتُ عَدْنٍ). وقرأ زرّ (٣) والزّهري جنّة (٤) مفردا. والجحدريّ جنات بالنصب على الاشتغال (٥) وهي تؤيد رفعها بالابتداء (٦). وجوز أبو البقاء أن كون «جنات» بالرفع خبرا ثانيا لاسم الإشارة وأن يكون خبر مبتدأ محذوف (٧). وتقدمت قراءة يدخلونها مبنيا للفاعل أو المفعول وباقي الآية في الحجّ (٨).
فصل
قيل : المراد بالداخلين الأقسام الثلاثة. وهذا على قولنا بأنهم أقسام المؤمنين. وقيل : الذين يتلون كتاب الله وقيل : هم السابقون. وهو أقوى لقرب ذكرهم ولأنه ذكر إكرامهم بقوله : «يحلّون» والمكرم هو السابق (٩).
فإن قيل : تقديم الفاعل على الفعل وتأخير المفعول عنه موافق لترتيب المعنى إذا كان المفعول حقيقيّا كقولنا : الله الّذي خلق السّموات وقول القائل : زيد بنى الجدار ، فإن الله موجود قبل كل شيء ثم له فعل هو الخلق ثم حصل به المفعول وهو السّموات وكذا زيد ثم البناء ثم الجدار من البناء وإذا لم يكن المفعول حقيقيا كقولنا : دخل الداخل الدار ، وضرب عمرا فإن «الدار» في الحقيقة ليس مفعولا للداخل وإنما فعله متحقق بالنسبة إلى الدار وكذلك عمرو فعل (من أفعال) (١٠) زيد تعلق به فسمي مفعولا ولكن الأصل تقديم الفعل على المفعول ولهذا يعاد الفعل المقدّم بالضمير تقول : عمرا ضربه
__________________
(١) ما بين القوسين سقط من «ب».
(٢) في «ب» وأبدل وفي الكشاف فأبدلت.
(٣) هو زر بن حباشة أبو رويم الأسديّ الكوفيّ أحد الأعلام عرض على ابن مسعود وعثمان وعرض عليه عاصم مات سنة ٨٢ ه.
(٤) انظر : ابن خالويه ١٢٤ والبحر ٧ / ٣١٤ والقرطبي ١٤ / ٣٥٠ بدون نسبة وهي شاذة.
(٥) ذكره ابن خالويه في المختصر ١٢٤ و ١٢٣ والقرطبي بدون نسبة في الجامع ١٤ / ٣٥٠ وكذلك الزمخشري في الكشاف ٣ / ٣٠٩ وقد نسبها أبو حيان للجحدريّ وهارون عن عاصم. انظر : البحر المحيط ٧ / ٣١٤.
(٦) المرجع السابق.
(٧) التبيان له ١٠٧٥.
(٨) يشير إلى الآية ٢٣ منها : «يَدْخُلُونَها» بالبناء للمجهول منسوبة لأبي عمرو ورويت عن ابن كثير.
والجمهور مبنيا للفاعل وانظر : الكشاف ٣ / ٣٠٩ والبحر ٧ / ٣١٤ والقرطبي ١٤ / ٣٥٠ والإتحاف ٣٦٢. وقرىء يحلون وهي قراءة العامة وقرىء بفتح الياء وسكون الحاء وتخفيف اللام ونسبت لابن عباس. والجمهور على لؤلؤ بهمزتين وقرىء ولؤلؤ بهمز الأولى دون الثانية ونسبت للمعلى عن عاصم ولوليا الفياض ولولي طلحة وليليا ابن عباس. وانظر : مختصر ابن خالويه ٩٤ و ٩٥ والكشاف ٣ / ٣١٠ والقرطبي ١٢ / ٢٨.
(٩) هذا قول الرازي في تفسيره ٢٦ / ٢٦.
(١٠) ما بين القوسين ساقط من «ب».