المفعول في الحقيقة فإنه هو الذي فعل (فجاز (١) إقامة المفعول مقامه).
فصل
في قوله : (دارَ الْمُقامَةِ) إشارة إلى أن الدنيا منزلة ينزلها المكلف ويرتحل عنها إلى منزلة القبور ومن القبور إلى منزلة العرصات (٢) التي فيها الجمع ومنها التفريق وقد يكون النار لبعضهم منزلة أخرى والجنة دار البقاء وكذا النار لأهلها.
قوله : (مِنْ فَضْلِهِ) متعلق «بأحلّنا» (٣) و «من» إما للعلّة وإما لابتداء الغاية (٤). ومعنى فضله أي يحكم وعده لا بإيجاب من عنده.
قوله : (لا يَمَسُّنا) حال من مفعول «أحلّنا» الأول (٥) والثاني (٦) ، لأن الجملة مشتملة على ضمير كل منهما وإن كان الحال من الأول أظهر (٧). والنّصب التّعب (٨) والمشقّة ، واللّغوب الفتور النّاشىء عنه (٩) وعلى هذا فيقال إذا انتفى السّبب نفي المسبّب فإذا قيل : لم آكل فيعلم انتفاء الشبع فلا حاجة إلى قوله ثانيا فلم أشبع بخلاف العكس ألا ترى أنه يجوز لم أشبع ولم آكل و (في) (١٠) الآية الكريمة على ما تقرر من نفي السبب فما فائدته؟ وقد أجاب ابن الخطيب : بأنه بين مخالفة الجنة لدار الدنيا فإن أماكنها على قسمين موضع يمس فيه المشاق كالبراري وموضع يمس فيه الإعباء كالبيوت والمنازل التي في الأسفار فقيل : لا يمسّنا فيها نصب لأنها ليست مظانّ المتاعب كدار الدنيا ولا يمسّنا فيها لغوب أي لا يخرج منها إلى موضع يتعب (١١) ويرجع إليها فيمسنا فيها الإعياء وهذا الجواب ليس بذاك (١٢). والذي يقال : إن النصب هو تعب البدن واللغوب تعب النفس. وقيل :
__________________
(١) زيادة يقتضيها السياق فإن «مدخلا» مفعول به وهو مصدر ميمي مفعول لقوله : «أدخلني» قبله و «كلّ ممزق» مفعول مطلق نائب عن المصدر الذي من الفعل أي مزّقناهم تمزيقا. والمقامة مصدر ميمي من غير الثلاثي وهو مفعول بالدخول والإحلال.
(٢) كذا هي بالصاد هنا. وفي «ب» العرضات بالضاد. تحريف والعرصات جمع عرصة وتجمع أيضا على عراص وعرصة الدار وسطها. وقيل : ما لا بناء فيه والعرصة أيضا كل بقعة بين الدور واسعة ليس فيها بناء ، وفي حديث قسّ : في عرصات بجثجات. بتصرف من اللسان عرص والصّحاح. وانظر : اللسان ٢٨٨٣.
(٣) الدر المصون ٤ / ٤٨٣.
(٤) السابق.
(٥) التبيان ١٠٧٦.
(٦) السمين السابق ويقصد بالأول «نا» وبالثاني «دار المقامة».
(٧) الدر المصون السابق.
(٨) قاله النحاس في الإعراب ٤ / ٣٧٤ والزجاج في المعاني ٤ / ٢٧١.
(٩) قاله في القرطبي ١٤ / ٣٥١ وفي معاني الفراء ٢ / ٣٧٠ وفي معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٢٧١ وفي الكشاف ٣ / ٣١٠.
(١٠) سقط من «ب».
(١١) في «ب» التعب.
(١٢) التفسير الكبير للرازي ٢٦ / ٨.