قوله : (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ) (أي فيقول (١) لهم توبيخا : أو لم نعمركم أي عمّرناكم مقدارا يمكن التذكر فيه.
قوله) : «ما يتذكّر» جوزوا في «ما» هذه وجهين :
أحدهما ـ ولم يحك أبو حيان غيره ـ : أنها مصدرية (٢) ظرفية قال : أي مدّة تذكّر ، وهذه غلط لأن الضمير (في) (٣) (فيه) يمنع ذلك لعوده على «ما» ولم يقل باسمية ما المصدرية إلا الأخفش وابن السّرّاج (٤).
والثاني : أنها نكرة موصوفة أي تعمّرا يتذكّر فيه أو زمانا يتذكّر (٥) فيه. وقرأ الأعمش ما يذّكّر بالإدغام من «اذّكّر» (٦) ، قال أبو حيان : بالإدغام واجتلاب همزة الوصل ملفوظا بها في الدّرج (٧) وهذا غريب حيث أثبت همزة الوصل مع الاستغناء عنها إلّا أن يكون حافظ على (٨) سكون «من» وبيان ما بعدها.
فصل
معنى قوله : (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ) قيل : هو البلوغ. وقال قتادة وعطاء والكلبي : ثماني عشرة سنة وقال الحسن : أربعون سنة. وقال ابن عباس : ستون سنة. روي ذلك عن عليّ وهو العمر الذي أعذر الله إلى ابن آدم (٩). قال ـ عليه (الصلاة و) السلام ـ : «أعذر الله إلى ابن آدم امرىء أخّر أجله حتّى بلغ ستّين سنة» (١٠) وقال ـ عليه (الصّلاة و) السلام ـ : «أعمار أمّتي ما بين السّتّين إلى السّبعين وأقلّهم من يجوز ذلك» (١١).
قوله : (وَجاءَكُمُ) عطف على (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ) ؛ لأنه في معنى (١٢) قد عمّرناكم
__________________
(١) ما بين القوسين كله ساقط من «ب».
(٢) البحر ٧ / ٣١٦ وكما ذكر هذا الوجه أيضا أبو حيان في البحر ذكره أبو البقاء في التبيان ١٠٧٦.
(٣) سقط من «ب».
(٤) وقال بذلك المصدر أبو عبيدة في المجاز وهو قبل الأخفش وفاة فقد قال في كتابه مجاز القرآن : «ومجاز «ما» هاهنا مجاز المصدر أو لم نعمركم عمرا يتذكر فيه» المجاز ٢ / ١٥٦.
(٥) قال بذلك الوجه أبو البقاء في التبيان ١٠٧٥ وانظر : الدر المصون ٤ / ٤٨٥.
(٦) ذكرها أبو حيان ٧ / ٣١٦ والسمين في الدر ٤ / ٤٨٥ وفي مختصر ابن خالويه ما يدّكّر فيه من ـ ادّكّر ـ بالدال ـ الأعمش وكذلك في مصحف ابن مسعود. المختصر لابن خالويه ١٢٤ وانظر أيضا الزمخشري في كشافه ٣ / ٣١١ موافقا لما ذكر أعلى وهي من الشواذ.
(٧) البحر ٧ / ٣١٦.
(٨) نقله السّمين في الدر ٤ / ٤٨٦.
(٩) وانظر هذه الأقوال في القرطبي ١٤ / ٣٥٣ وزاد المسير ٦ / ٤٩٤.
(١٠) أخرجه البخاريّ عن أبي هريرة ٤ / ١١٦.
(١١) أخرجه البغوي في معالم التنزيل عن أبي هريرة ٥ / ٣٠٥.
(١٢) قاله شهاب الدين السمين في الدر ٤ / ٤٨٦ والزّمخشريّ في الكشاف ٣ / ٣١١ وأبو حيان في البحر ٧ / ٣١٦.