بعد «ما» النافية فيما قبلها (١) ، وتقدمت له نظائر (٢). وإسناد الزيادة للنذير مجاز لأنه سبب في ذلك كقوله : (فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ) [التوبة : ١٢٥].
فصل
معنى فلما جاءهم أي صح لهم مجيئه بالمعجزة وهو محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ (ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً) أي ما زادهم بمجيئه إلا تباعدا عن الهدى.
قوله : «استكبارا» يجوز أن يكون مفعولا له أي لأجل الاستكبار (٣). وأن يكون بدلا من (٤) «نفورا» وأن يكون حالا أي حال كونهم مستكبرين (٥). قاله الأخفش.
قوله : (وَمَكْرَ السَّيِّئِ) فيه وجهان :
أظهرهما : أنه عطف على «استكبارا».
والثاني : أنه عطف على «نفورا» (٦). وهذا من إضافة الموصوف إلى صفته (٧) في الأصل إذ الأصل والمكر والسيّىء (٨). وقرأ العامّة بخفض همزة «السيّىء». وحمزة والأعمش بسكونها وصلا (٩). وقد تجرأت النحاة وغيرهم على هذه القراءة ونسبوها للّحن
__________________
(١) قال بظرفيتها ابن السّراج والفارسيّ وابن جنّي. وهي حرف وجود لوجود. وبعضهم يقول : حرف وجوب لوجوب. وقال ابن مالك : هي ظرف بمعنى «إذا» ووجهه المغني قال : «وهو حسن لأنها مختصة بالماضي وبالإضافة إلى الجملة». وقد رد ابن خروف ردا طريفا على مدعي الاسمية قائلا يجوز أن يقال : «لما أكرمتني أمس أكرمتك اليوم» ، لأنها إذا قدرت ظرفا كان عاملها الجواب ، والواقع في اليوم لا يكون في الأمس (بتصرف من المغني ١ / ٢٨٠).
(٢) كقول الله : (وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ) الآية ٧٨ من يوسف وكقوله تعالى في الإسراء : (فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ) ٦٧ ، وكقوله في هود : (وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا هُوداً) ٥٨ ، و (فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً) ٦٦ ، (وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً) ٩٤ ومواضع أخرى من آي القرآن الكريم.
(٣) قاله الفراء في المعاني ٢ / ٣٧١ ومكي في المشكل ٢ / ٢١٨ والزجاج في معانيه ٤ / ٣٧٤ ، والنحاس في الإعراب ٤ / ٣٧٧ ، وابن الأنباري في البيان ٢ / ٢٨٩ ، والزمخشري في الكشاف ٣ / ٣١٢ والسمين في الدر ٤ / ٤٨٩ وأبو حيان في البحر ٧ / ٣١٩ وأبو البقاء في التبيان ١٠٧٧.
(٤ و ٥) ذكرهما الزمخشري وأبو حيان والسمين في المراجع السابقة.
(٦) نقله الزمخشري والنحاس وأبو حيان وأبو البقاء المراجع السابقة.
(٧) مشكل إعراب القرآن ٢ / ٢١٨ والبحر ٧ / ٣١٩.
(٨) فهم يرون أن الموصوف والصفة شيء واحد لأنهما لعين واحدة فإذا قلت : «جاءني زيد العاقل» ، «فالعاقل» هو «زيد» وزيد هو العاقل فلما كانا كذلك لم يجز إضافة أحدهما إلى الآخر وإذا ورد ما يوهم ذلك أول على أنه صفة لموصوف محذوف مثل الآية هنا. بتصرف من المفصل وشارحه ابن يعيش ٣ / ١٠.
(٩) من القراءة المتواترة وقد نسبها ابن مجاهد في السبعة ٥٣٥ إلى حمزة وحده بينما في الإتحاف ذكر الأعمش وحمزة والأعمش موافقا لحمزة. الإتحاف ٣٦٢. وانظر معاني الفراء ٢ / ٣٧١ قال : «وقد ـ