الياء المكر السّيّىء بالنصب (١) على أن الفاعل ضمير الله تعالى ؛ أي لا يحيط الله المكر السّيّىء إلّا بأهله.
فصل
المراد بالمكر السيّىء أي القبيح أضيف المكر إلى صفته قال الكلبي : هو اجتماعهم على الشرك (٢). وقيل النبي ـ صلىاللهعليهوسلم (٣) ـ وقال ابن الخطيب : هذا من إضافة الجنس إلى نوعه (٤) كما يقال : علم الفقه وحرفة الحدادة ومعناه : ومكروا مكرا سيئا ثم عرّف لظهور مكرهم ثم ترك التعريف باللام وأضيف إلى السيّىء لكون السر فيه أبين الأمور. ويحتمل أن يقال : بأن المكر استعمل استعمال العمل كما ذكرنا في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ)(٥) أي يعملون السيئات.
قوله : (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ) أي لا يحل ولا يحيط (٦) ، وقوله : «يحيق» ينبىء عن الإحاطة التي هي فوق اللحوق.
فإن قيل : كثيرا ما نرى الماكر يمكر ويفيده المكر ويغلب الخصم بالمكر والآية تدل على عدم ذلك.
فالجواب من وجوه :
أحدها : أن يكون المكر المذكور في الآية هو المكر الذي مكروه مع النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ من العزم على القتل والإخراج ولم يحق إلا بهم حيث قتلوا يوم بدر وغيره.
وثانيها : أن نقول : المكر عام وهو الأصح ، فإن النبي ـ عليه (الصلاة (٧) و) السلام ـ نهى عن المكر وأخبر بقوله : «لا تمكروا ولا تعينوا ماكرا فإنّ الله يقول : ولا يحيق المكر السّيّىء إلّا بأهله» (٨) وعلى هذا (فذلك) (٩) الرجل الماكر يكون أهلا فلا يرد نقضا.
وثالثها : أن الأعمال بعواقبها ومن مكر غيره ونفذ فيه المكر عاجلا في الظاهر فهو في الحقيقة هو الفائز والماكر هو الهالك كمثل راحة الكافر ومشقّة المسلم في الدنيا ويؤيد هذا المعنى قوله تعالى : (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ) يعني إن كان لمكرهم في الحال رواج فالعاقبة للتقوى والأمور بخواتيمها.
__________________
(١) ولم يعزها أبو حيان في بحره ٧ / ٣٢٠ وانظر الدر المصون ٤ / ٤٩٠.
(٢) وقد ذكره الطبري عن قتادة. وانظر : زاد المسير ٦ / ٤٩٨.
(٣) المرجع السابق.
(٤) المرجع السابق.
(٥) قاله الرازي في تفسيره ٢٦ / ٣٤.
(٦) في «ب» معنى. وانظر : معاني الزجاج ٤ / ٢٧٥ والمجاز لأبي عبيدة ٢ / ١٥٦.
(٧) زيادة من «ب».
(٨) ذكره القرطبي ١٤ / ٣٦٠ عن الزهري والرازي ٢٦ / ٣٤.
(٩) سقط من «ب».