قوله : (وَما كانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ) أي ليفوت عنه. وهذا يحتمل شيئين (١) :
أحدهما : أن يكون المراد بيان أن الأولين مع شدة قوتهم ما عجزوا الله وما فاتوه فهم أولى بأن لا يعجزوه.
والثاني : أن يكون قطعا لاعتقاد الجهال فإنّ قائلا لو قال : هب أن الأولين كانوا أشدّ قوة وأطول أعمارا لكنا نستخرج بذكائنا ما يزيد على قواهم ونستعين بأمور أرضيّة لها خواص أو كواكب سماوية لها آثار فقال الله تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ ، وَكانَ اللهُ عَلِيماً)(٢) بأفعالهم وأقوالهم «قديرا» على إهلاكهم واستئصالهم.
قوله : (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا) من الجرائم (ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ) يعني على ظهر الأرض كناية عن (٣) غير مذكور. وتقدم نظيرها في النحل (٤) ، إلّا أن هناك لم يجر للأرض ذكر بل عاد الضمير على ما فهم من السّياق وهنا قد صرح بها في قوله : (فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) فيعود الضمير إليها لأنها أقرب ، وأيضا فلقوله : (مِنْ دَابَّةٍ) والدب إنما يكون على ظهر الأرض وهنا قال : (عَلى ظَهْرِها) استعارة من ظهر الدابة دلالة على التمكن والتقلب عليها والمقام هنا يناسب ذلك لأنه حث على السير للنظر والاعتبار.
قوله : (مِنْ دَابَّةٍ) أي كما كان في زمن نوح ـ عليه (الصلاة (٥) و) السلام ـ أهلك الله ما على ظهر الأرض من كان في السفينة مع نوح.
فإن قيل : إذا كان الله يؤاخذ الناس بما كسبوا فما (بال) (٦) الدوابّ يهلكون؟
فالجواب من وجوه :
أحدها : أن خلق الدواب نعمة فإذا كفر الناس يزيل الله النعم والدوابّ أقرب النعم ، لأن المفرد (أولا) (٧) ثم المركب والمركب إما أن يكون معدنا وإما أن يكون ناميا والنامي إما أن يكون حيوانا أو نباتا والحيوان إما (٨) إنسانا أو غير إنسان فالدوابّ أعلى درجات المخلوقات في عالم العناصر للإنسان.
الثاني : أن ذلك بيان لشدة العذاب وعمومه فإن بقا (ء الأشياء) (٩) بالإنسان كما أنّ بقاء الإنسان بالأشياء لأن الإنسان يدبر الأشياء ويصلحها فتبقى الأشياء ثم ينتفع بها
__________________
(١) في الفخر وجهين وفي «ب» معنيين.
(٢) في «أ» عالما والصحيح من «ب».
(٣) في «ب» من.
(٤) عند قوله : «وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ» وهي الآية (٦١) منها.
(٥) زيادة من «ب».
(٦) تصحيح لغوي عن النسختين.
(٧) سقط من «ب».
(٨) كذا هنا. وفي الرازي وفي «ب» إما أن يكون إنسانا.
(٩) سقط من النسختين وهو تكملة من الرّازي.