فصل
قد تقدمت في سورة العنكبوت ذكر حروف التهجي وأن كل سورة بدأ الله فيها بحروف التهجي كان في أوائله الذكر أو الكتاب أو القرآن. ولنذكر ههنا أن في ذكر هذه الحروف أوائل السور أمورا تدل على أنها غير خالية عن الحكمة لكن علم الإنسان لا يصل إليها. والذي يدل على أن فيها حكمة من حيث الجملة هو أن الله تعالى ذكر من الحروف نصفها وهي أربعة عشر حرفا وهي نصف ثمانية وعشرين حرفا هي جميع الحروف التي في لسان العرب على قولنا : الهمزة ألف متحركة.
ثم إنه تعالى قسم الحروف ثلاثة أقسام تسعة أحرف من الألف إلى الذال والتسعة الأخيرة من الفاء إلى الياء وعشرة في الوسط من الراء إلى الغين ، وذكر من القسم الأول حرفين الألف والحاء وترك سبعة (١) ، ولم يترك من القسم الأول من حروف الحلق والصدر إلا واحدا لم يذكره وهو الخاء ولم يذكر من القسم الأخير من حروف الشّفة إلا واحدا لم يتركه وهو الميم. والعشر الأواسط ذكر منه حرفا وترك حرفا ، فترك الزاي وذكر الراء وذكر السين وترك الشّين ، وذكر الصاد وترك الضاد ، وذكر الطاء وترك الظّاء وذكر العين وترك الغين. وليس هذا أمرا يقع اتفاقا بل هو ترتيب مقصود وهو لحكمة لكنها غير معلومة وهب أن واحدا يدعي فيه شيئا فماذا يقول في كون بعض السور مفتتحة بحرف كسورة «ن» و «ق» و «ص» وبعضها بحرفين كسورة «حم» و «يس» و «طه» وبعضها بثلاثة أحرف كسورة «الم» وطسم» و «الر» وبعضها بأربعة أحرف كسورة «المر» و «المص» وبعضها بخمسة كسورة «حمعسق» و «كهيعص» وهب أنّ قائلا يقول : إن هذا إشارة بأن الكلام إما حرف ، وإما فعل ، وإما اسم ، والحرف كثيرا ما جاء على حرف كواو العطف وفاء العقيب ، وهمزة الاستفهام ، وكاف التشبيه ، وياء الإلصاق (٢) وغيرها ، وجاء على حرفين كمن للتبعيض و «أو» للتخيير ، و «أم» للاستفهام المتوسط (٣) ، وإن للشرط (٤) وغيرها. والفعل والاسم والحرف جاء على ثلاثة أحرف كإلى وعلى في الحرف وإلى وعلى في الاسم وألا يألو وعلا يعلو في الفعل ، والاسم والفعل جاءا على أربعة أحرف ، والاسم خاصة جاء على ثلاثة أحرف وأربعة وخمسة ك «عجل» (٥) وسنجل (٦)
__________________
ـ أخبر هنا. وانظر : الكتاب ٣ / ٢٥٧ ـ ٢٥٩ واللباب ١ / ١٦ ب ميكروفيلم.
(١) في الرازي : وترك من القسم الآخر حرفين هما الفاء والواو وذكر سبعة ولم ...
(٢) مثل : أمسكت بزيد ومررت به والإلصاق إما أن يكون حقيقيا أو مجازيا كما مثل والإلصاق معنى لا يفارق الباء. المغني ١٠١.
(٣) مثل : «أضربت زيدا أم قتلته» ولما كانت تتوسط بين محتملي الوجود لشيئين : أحدهما : بالاستفهام قيل : إنها حرف عطف. وقد أنكرها أبو عبيدة «الهمع ٢ / ١٣٢».
(٤) في «ب» للشرطية.
(٥) كذا في النسختين وفي الرازي ك «فجل».
(٦) في اللسان سنجال قرية بأرمينية.