وجردحل (١). فما جاء في القرآن إشارة إلى أن تركيب العربية من هذه الحروف على هذه الوجوه فماذا يقول هذا القائل في تخصيص بعض السور بالحرف الواحد ، والبعض بأكثر فلا يعلم ما السّرّ إلا الله ومن أعلمه الله به وإذا علم هذا فالعبادة منها قلبية ومنها لسانية ومنها جارحية ، وكل واحد منها قسمان :
قسم عقل معناه وحقيقته وقسم لم يعلم.
أما القلبية مع أنها أبعد عن الشك والجهل ففيها ما لم يعلم دليله عقلا وإنما وجب الإيمان به والاعتقاد سمعا كالصّراط الذي هو أرق من الشعر وأحدّ من السيف ، ويمر عليه المؤمن كالبرق الخاطف ، والميزان الذي توزن به الأعمال الذي لا ثقل لها في نظر الناظر وكيفية الجنة والنار فإن هذه الأشياء وجودها لم يعلم بدليل عقلي وإنما المعلوم بالعقل إمكانها ووقوعها معلوم (و) (٢) مقطوع به بالسمع ومنها ما علم كالتوحيد والنبوة وقدرة الله وصدق الرسول وكذلك في العبادات الجارحية ما علم معناه وما لم يعلم كمقادير النصب وعدد الركعات والحكمة في ذلك أن العبد إذا أتى بما أمر به من غير أن يعلم ما فيه من الفائدة لا يكون الإتيان إلا لمحض (٣) العبادة بخلاف ما لو علم الفائدة فربما يأتي بها لفائدة وإن لم يؤمن (٤) كما لو قال السيد لعبده : انقل هذه الحجارة من ههنا ولم يعلمه بما في النقل فنقلها ولو قال انقلها فإن تحتها كنزا هو لك فإنه ينقلها وإن لم يؤمر. وإذا علم هذا فكذلك في العبادات اللّسانية الذكرية يجب أن يكون ما لم يفهم معناه إذا تكلم به العبد علم أنه لا يعقل غير الانقياد لأمر المعبود الإلهيّ. فإذا قال : حم ، يس ، طس (٥) علم أنه لا يذكر ذلك لمعنى يفهمه بل يتلفظ به امتثالا لما أمر به (٦).
فصل
قال ابن عباس : يس قسم ، وروي عنه أن معناه يا إنسان بلغة طيىء. قيل : لأن تصغير إنسان أنيسين كما تقدم عن الزمخشري فكأنه حذف الصدر (٧) منه وأخذ العجز وقال : ياسين أي يا أنيسين.
قال أكثر المفسرين يعني محمدا ـ صلىاللهعليهوسلم ـ قاله الحسن وسعيد بن جبير وجماعة.
وقال أبو (العالية (٨) : يا رجل. وقال أبو بكر الوراق : يا سيّد البشر (٩). وقوله : (وَالْقُرْآنِ
__________________
(١) الجردحل من الإبل : الناقة الضخمة الغليظة ، اللسان : «ج ر د ح ل».
(٢) سقط من «ب».
(٣) في «ب» بمحض.
(٤) وفيها : يؤمر ، وانظر في هذا الرازي ٢٦ / ٤٠.
(٥) الأولى من النمل.
(٦) ينظر هذا كله في التفسير الكبير للرازي ٢٦ / ٤٠.
(٧) في «ب» المصدر. خطأ وتحريف.
(٨) ما بين القوسين كله سقط من «أ».
(٩) ذكر هذه الأوجه مجتمعة الإمام القرطبي في الجامع لأحكام القرآن ١٥ / ٤.