يكون موضع إقامة يهلك. فقوله (وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا) إشارة إلى هلاكهم (١) فصاروا بمنزلة من يبنى (٢) عليه الحائط وهو واقف.
قوله : «فأغشيناهم» العامة على الغين المعجمة أي غطّينا أبصارهم وهو على حذف مضاف. وابن عباس وعمر بن عبد العزيز ، والحسن ، وابن يعمر ، وأبو رجاء في آخرين بالعين المهملة (٣).
وهو ضعف البصر. يقال : عشي بصره ، وأعشيته أنا (٤).
وهذا يحتمل الحقيقة والاستعارة.
فصل (٥)
قوله : «فأغشيناهم» بحرف الفاء يقتضي أن يكون الإغشاء مرتبا على جعل السد فما وجهه؟ فيقال من وجهين :
أحدهما : أن ذلك بيان لأمور مرتبة ليس بعضها سببا في البعض فكأنه تعالى قال : إنّا جعلنا في أعناقهم أغلالا فلا يبصرون أنفسهم لإقماحهم ، وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فلا يبصرون ما في الآفاق وحينئذ يمكن أن يروا السماء وما على يمينهم وشمالهم فقال بعد هذا كله : جعلنا على أبصارهم غشاوة فلا يبصرون شيئا أصلا.
والثاني : أن ذلك بيان لكون السدّ قريبا منهم بحيث يصير ذلك كالغشاوة على أبصارهم ، فإن من جعل من خلفه وقدّامه سدين ملتزقين به بحيث يبقى بينهما ملتزقا بهما يبقى عينه على سطح السد فلا يبصر شيئا ، لأن شرط المرئيّ أن يكون قريبا من العين جدّا.
فإن قيل : ذكر السد من بين الأيدي ومن خلف ، ولم يذكر من اليمين والشّمال فما الحكمة فيه؟.
فالجواب : إن قلنا : إنه إشارة إلى الهداية الفطرية والنظرية فظاهر. وأما على غير ذلك فيقال : إنه حصل العموم بما ذكر والمنع من انتهاج المناهج المستقيمة ، لأنهم إذا قصدوا السلوك إلى جانب اليمين أو جانب الشمال صاروا متوجّهين إلى شيء ، ومولّين (٦)
__________________
(١) في «ب» إهلاكهم.
(٢) وفيها : تبنى عليه الحائط.
(٣) ذكرها ابن خالويه وقال : إنها قراءة النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ انظر : مختصر ابن خالويه ١٢٤ والمحتسب ٢ / ٢٠٤ ومعاني الفراء ٢ / ٣٧٣ ، وزاد المسير ٧ / ٨ ومعاني الزجاج ٤ / ٢٨٠ والقرطبي ١٥ / ١٠ والكشاف ٣ / ٣١٦.
(٤) في «أ» أغشى بصره وأغشيته. والتصحيح أعلى من «ب».
(٥) كذا في «ب» ، وفي «أ» قوله بدل فصل. والتصحيح من «ب».
(٦) في «ب» : متولين.