أنا ولا معرفة لي أظهر من نفسي فيقال : إنّا نحن معروفون بأوصاف الكمال ، وإذا عرفنا بأنفسنا فلا ينكر قدرتنا على إحياء الموتى.
والثاني : أن الخبر «نحيي» كأنه قال : (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى) و «نحن» يكون تأكيدا. وفي قوله : (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى) إشارة إلى الوحيد ؛ لأن الإشراك يوجب التمييز ، فإن «زيدا» إذا شاركه غيره في الاسم ، فلو قال : «أنا زيد» لا يحصل التعريف التام ، (لأن) (١) للسامع أن يقول : أيّما زيد؟ فيقول : ابن عمرو ، (ولو (٢) كان هناك زيد آخر أبو عمرو لا يكفي قوله : ابن عمرو) فلما قال الله: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى) أي ليس غيرنا أحد يشركنا حتى يقول : أنا كذا فيمتاز ، وحينئذ تصير الأصول(٣) الثلاثة مذكورة : الرسالة والتوحيد والحشر (٤).
قوله : (وَنَكْتُبُ) العامة على بنائه للفاعل ، فيكون (ما قَدَّمُوا) مفعولا به و «آثارهم» عطف عليه. وزرّ ومسروق قرآه مبنيا للمفعول ، و «آثارهم» (٥) بالرفع عطفا على «ما قدّموا» لقيامه مقام الفاعل (٦).
فصل
المعنى ما قدموا وأخروا ، فاكتفي بأحدهما ، لدلالته على الآخر كقوله تعالى : (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) [النحل : ٨١] أي والبرد. وقيل : المعنى ما أسلفوا من الأعمال صالحة كانت أو فاسدة ، كقوله تعالى : (بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ)(٧) أي بما قدمت في الوجود وأوجدته. وقيل : نكتب نيّاتهم فإنها قبل الأعمال و «آثارهم» أي أعمالهم. وفي «آثارهم» وجوه :
أحدها : ما سنوا من سنة حسنة وسيئة. فالحسنة كالكتب المصنّفة والقناطر المبنية ، والسيئة كالظّلامة (٨) المستمرة التي وضعها ظالم والكتب المضلة. قال ـ عليه
__________________
(١ و ٢) ما بين الأقواس ساقط من (ب وأ) وتكملة من الرازي.
(٣) في «ب» الأمور.
(٤) وانظر في هذا كله تفسير الفخر الرازي ٢٦ / ٤٨ و ٤٩.
(٥) في «ب» وآباؤهم تحريف.
(٦) من القراءات الشاذة ذكرها ابن خالويه في المختصر ١٢٤ وابن الجوزي في زاد المسير ٧ / ٨ منسوبة إلى إبراهيم النخعيّ والجحدريّ وذكرها في الكشاف دون نسبة. الكشاف ٣ / ٣١٧.
(٧) الآية ٩٥ من سورة «البقرة» و ٦٢ من سورة «النساء» و ٤٧ من سورة «القصص» و ٤٨ من سورة «الشورى» و ٧ من سورة «الجمعة». وقد ذكر هذه الآراء الثلاثة الفخر الرازي في تفسيره ٢٦ / ٤٩ ورجح الفراء والزجاج في معانيهما الرأي الثاني. انظر معاني الفراء ٢ / ٣٧٣ والزجاج ٤ / ٢٨١ والكشاف ٣ / ٣١٦.
(٨) كذا في «ب» والرازي وفي «أ» كالطلابات. واختار هذا الرأي ابن عباس وابن جبير والفراء وابن قتيبة والزجاج. انظر زاد المسير ٧ / ٩.