فصل
قوله : (أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) يحتمل أن يكون من تمام قول الكافر (١) أولا أي من كلام القائلين : (هَلْ نَدُلُّكُمْ) ويحتمل أن يكون من كلام السامع المجيب للقائل : (هَلْ نَدُلُّكُمْ) كأن السامع لما قيل له : هل ندلكم على رجل قال له وهو (٢) يفتري على الله كذبا إن كان يعتقد خلافه «أو (٣) به جنّة» مجنون (٤)؟ إن كان لا يعتقد خلافه ، وفي هذا لطيفة وهي أن الكافر لا يرضى بأن يظهر كذبه ولهذا قسم ولم يجزم بأنه مفتر بل قال مفتر أو مجنون احترازا من أن يقول قائل : كيف يقول بأنه مفتر مع أنه جاز أن يظن أن الحق (٥) ذلك ، وظن الصدق يمنع تسمية القائل مفتريا وكاذبا في بعض المواضع ألا ترى أن من يقول : جاء زيد فإذا تبين أنه لم يجىء وقيل له : لم كذبت؟ يقول : ما كذبت وإنما سمعت من فلان فظننت أنه صادق فيدفع الكذب عن نفسه بالظن فهم احترزوا عن تبيين كذبهم فكل عاقل ينبغي أن يحترز عن ظهور كذبه عند الناس ولا يكون العاقل أدنى درجة من الكافر ، ثم إنه تعالى أجابهم مرة أخرى ردا عليهم فقال : «بل الذين كفروا في العذاب» في مقابلة قولهم : (أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً).
وقوله : (وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ) عن الحق في الدنيا ، وهذا في مقابلة قولهم : «به جنّة» وكلاهما مناسب أما العذاب فلأن نسبة المكذب (٦) إلى الصادق مؤذ ، لأنه شهادة عليه بأنه يستحق العذاب فجعل العذاب عليهم حيث نسبوا العذاب إلى البريء وأما الجنون فلأن نسبة الجنون إلى العاقل (٧) دونه في الإيذاء فإنه لا يشهد عليه بأنه يعذب وإنما ينسبه إلى عدم الهداية فبين أنّهم هم الضالون ، ثم وصف ضلالهم بالبعد لأن من يسمي المهتدي ضالّا يكون أضلّ ، والنبي عليه (الصلاة (٨) و) السلام (كان) (٩) هادي كل مهتد (١٠).
قوله : «أفلم» فيه الرأيان المشهوران ، قدّره الزمخشري أعموا فلم يروا (١١) ، وغيره يدّعي أن الهمزة مقدمة على حرف العطف (١٢).
قوله : (مِنَ السَّماءِ) بيان للموصول ، فيتعلق بمحذوف ، ويجوز أن يكون حالا فيتعلق به أيضا قيل : (و) (١٣) ثمّ حال محذوفة تقديره : أفلم يروا إلى كذا مقهورا تحت
__________________
(١) في «ب» الكافرين.
(٢) في الفخر الرازي : أهو يفتري بصيغة الاستفهام.
(٣) وفيه : أم به جنّة.
(٤) في «ب» والرازي : جنون.
(٥) انظر : تفسير الرازي ٢٥ / ٢٤٤.
(٦) في «ب» الكذب وكذا هي في الفخر الرازي.
(٧) في «ب» القائل.
(٨) سقط من «أ» وهي في الفخر و «ب».
(٩) سقط من «ب».
(١٠) انظر : تفسير الفخر الرازي المرجع السابق ٢٥ / ٢٤٤.
(١١) قال ذلك في كشافه ٣ / ٢٨١.
(١٢) هذا مذهب الجمهور. وانظر : البحر المحيط ٧ / ٢٦٠ والمغني ١٦ ، والهمع ٢ / ٦٩.
(١٣) سقط من «ب».