قوله تعالى : (وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (٢٠) اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ (٢١) وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٢) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ (٢٣) إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٤) إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (٢٥) قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (٢٦) بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ)(٢٧)
قوله : «وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى» في تعلقه بما قبله وجهان :
أحدهما : أنه بيان لكونهم أتوا بالبلاغ المبين حيث أمن بهم الرجل الساعي. وعلى هذا فقوله : (مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ) فيه بلاغة باهرة لأنه لما جاء من أقصى المدينة رجل و (هو) قد آمن دل على (أن) (١) إنذارهم وإبلاغهم بلغ إلى أقصى المدينة.
والثاني : أن ضرب المثل لما كان لتسلية قلب (٢) محمد ـ عليه (الصلاة و) السلام ـ ذكر بعد الفراغ من ذكر الرسل سعي المؤمنين في تصديق أنبيائهم ، وصبرهم (٣) على ما أوذوا ، ووصول الجزاء (٤) الأوفر إليهم ليكون ذلك تسلية لقلب أصحاب محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ (٥).
قوله : (رَجُلٌ يَسْعى) في تنكير «الرجل» مع أنه كان معروفا معلوما عند الله فائدتان :
الأولى : أن يكون تعظيما (لشأنه) (٦) أي رجل كامل في الرجولية.
الثانية : أن يكون مفيدا ليظهر من جانب المرسلين أمر رجل من الرجال لا معرفة لهم به ، فلا يقال : إنهم تواطئوا. والرجل هو حبيب النّجار كان ينحت الأصنام. وقال السدي : كان قصارا. وقال وهب : كان يعمل الحرير وكان سقيما قد أسرع فيه الجذام. وكان منزله عند أقصى باب المدينة (٧) وكان مؤمنا آمن بمحمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ (٨) قبل وجوده حين صار من العلماء بكتاب (٩) الله ، ورأى فيه نعت (١٠) محمد وبعثته وقوله : «يسعى» تبصير للمسلمين وهداية لهم ليبذلوا جهدهم في النّصح.
قوله : (قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ) تقدم الكلام في فائدة قوله : (يا قَوْمِ)(١١) عند
__________________
(١) ما بين الأقواس زيادة من «أ» وسقوط من «ب».
(٢) في «ب» ملة بدل قلب.
(٣) في «ب» وصبروا.
(٤) في «ب» الخبر دون الجزاء وهو تحريف.
(٥) في «ب» صلىاللهعليهوسلم.
(٦) سقطت من «ب».
(٧) في «ب» في المدينة.
(٨) في «ب» عليه الصلاة والسلام.
(٩) في «ب» لكتاب الله باللام.
(١٠) في «ب» قلب بدل نعت.
(١١) قال هناك في الفائدة بقوله : «يا قوم» أنه ينبىء عن إشفاق عليهم وشفقة فإن إضافتهم إلى نفسه بقوله : «يا قوم» يفيد أنه لا يريد بهم إلّا خيرا. وانظر اللباب ١ / ٦٠ «ب».