الالتفات (١) ، وقرأ حمزة ويعقوب ما لي بإسكان الياء والآخرون بفتحها (٢). واعلم أن قوله : (وَما لِيَ لا أَعْبُدُ) أي أيّ (٣) مانع من جانبي وهذا إشارة إلى أن الأمر من جهة المعبود ظاهر لا خفاء فيه فمن يمنع (٤) من عبادته يكون من جانبه مانع ولا مانع من جانبي فلا جرم عبدته وفي العدول من مخاصمة (٥) القوم إلى حال نفسه حكمة أخرى وهي أنه لو قال : ما لكم لا تعبدون الذي فطركم» لم يكن في البيان مثل قوله : (وَما لِيَ) لأنه لو قال : (وَما لِيَ) وأحد لا يخفى عليه (حال) (٦) نفسه علم كل أحد أنه لا يطلب العلة وبيانها من أحد لأنه أعلم بحال نفسه فهو بين عدم المانع وأما لو قال : (وَما لَكُمْ) جاز أن يفهم (منه) (٧) أنه يطلب بيان العلة لكون غيره أعلم بحال نفسه. وقوله : (الَّذِي فَطَرَنِي) إشارة إلى وجود المقتضي ، فإن قوله : (وَما لِيَ) إشارة إلى عدم المانع وعند عدم المانع لا يوجد الفعل (٨) ما لم يوجد المقتضي فقوله : (الَّذِي فَطَرَنِي) دليل المقتضي فإن الخالق ابتداء مالك والمالك يجب على المملوك إكرامه وتعظيمه ومنعم بالإيجاد والمنعم يجب على المنعم عليه شكر نعمته. وقدم بيان عدم المانع على بيان وجود المقتضي مع أن المستحسن تقديم المقتضي (٩) لأن المقتضي لظهوره كأن مستغنيا عن البيان فلا أقلّ من تقديم ما هو أولى بالبيان للحاجة إليه واختار من الآيات فطرة نفسه لأن خالق عمرو يجب على زيد عبادته لأن من خلق عمرا (لا يكون (١٠) إلا) كامل القدرة واجب الوجود فهو مستحق العبادة بالنسبة إلى كل مكلف لكن العبادة على «زيد» بخلق «زيد» أظهر إيجابا (١١).
فصل
أضاف الفطرة إلى نفسه والرجوع إليهم كأن (١٢) الفطرة أثر النعمة وكان عليه أظهر وفي الرجوع معنى الشكر وكان بهم أليق. روي أنه لما قال : اتبعوا المرسلين أخذوه ورفعوه إلى الملك فقال له : «أفأنت تتبعهم»؟ فقال : (وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)(١٣)) أي أي شيء يمنعني أن أعبد خالقي وإليه ترجعون تردون عند البعث فيجزيكم بأعمالكم. ومعنى فطرني : خلقني اختراعا ابتداء. وقيل : جعلني على الفطرة
__________________
(١) وانظر : البحر ٧ / ٣٢٨ والدر المصون ٤ / ٥٠٣.
(٢) الإتحاف ٣٦٤ وهي من الأربع فوق العشرة المتواترة.
(٣) في الرازي : «ما لي مانع من جانبي».
(٤) في «ب» يمتنع.
(٥) في الرازي : عن مخاطبة.
(٦ و ٧) ساقطان من «ب».
(٨) في «ب» العقل. خطأ.
(٩) وانظر في هذا كله تفسير الإمام الفخر ٢٦ / ٥٥ و ٥٦.
(١٠) ما بين القوسين سقط من «ب» وفي «ب» : لأن من خلق عمرو كامل. بالإثبات.
(١١) انظر : المرجع السابق ٢٦ / ٥٦.
(١٢) في «ب» : لأن الفطرة.
(١٣) سقط من «ب» وانظر : القرطبي ١٥ / ١٩ وزاد المسير ٧ / ١٣.