كما قال تعالى : (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) [الروم : ٣٠].
قوله : «أأتّخذ» استفهام بمعنى الإنكار ، أي لا أتخذ من دونه آلهة و «من دونه» يجوز أن يتعلق «بأتّخذ» على أنها متعدية لواحد وهو «آلهة» ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه حال من «آلهة» (١) وأن يكون مفعولا ثانيا (٢) قدم على أنها المتعدية لاثنين (٣).
فصل
في قوله : (مِنْ دُونِهِ آلِهَةً) لطيفة وهي أنه لما بين أنه يعبد الذي فطره بين أن من دونه لا يجوز عبادته لأن الكل محتاج مفتقر حادث وقوله : «أأتّخذ» إشارة إلى أن غيره ليس بإله لأن المتخذ لا يكون إلها (٤) قوله : (إِنْ يُرِدْنِ) شرط جوابه (لا تُغْنِ عَنِّي)(٥) والجملة الشرطية في محل نصب صفة «لآلهة» (٦). وفتح طلحة السّلماني (٧) ـ وقيل : طلحة بن مصرف (٨) ـ ياء المتكلم (٩). وقال الزمخشري وقرىء : إن يردني الرّحمن بضر بمعنى إن يوردني (١٠) ضرّا أي يجعله (١١) موردا للضر (١٢). قال أبو حيان : وهذا والله أعلم رأى في كتب القراءات بفتح الياء فتوهم أنها ياء المضارعة فجعل الفعل متعديا بالياء المعدية (١٣) كالهمزة (١٤) فلذلك أدخل همزة التعدية فنصب به اثنين والذي في كتب القراءات الشواذ أنها ياء الإضافة المحذوفة خطّا ونطقا لالتقاء الساكنين (١٥) قال
__________________
(١) أي كائنة أو موجودة.
(٢) أي أأتخذ آلهة موجودة من دونه. «فمن دونه» تكميل «لموجودة» التي هي المفعول الثاني أصلا.
(٣) وبعضهم أنكر أن تنصب «تخذ واتّخذ وترك» مفعولين وقال : إنما يتعدى إلى واحد والمنصوب الثاني حال ومن أمثلتها «لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً» و «اتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً». وانظر : الدر المصون ٤ / ٥٠٩ وهمع السيوطي ١ / ١٥٠.
(٤) قاله الإمام الفخر الرازي ٢٦ / ٥٧.
(٥) قال في التبيان ١٠٨٠ والإعراب للنحاس ٣ / ٣٨٩ والدر للسمين ٤ / ٥٠٩.
(٦) الدر المصون السابق.
(٧) تصحيحه كما في كتب تراجم القراء : السمان. وهو طلحة بن سليمان مقرىء متصدر أخذ القراءة عن فياض بن غزوان عن طلحة بن مصرف وله شواذّ تروى عنه. روى عنه القراءة إسحاق بن سليمان أخوه. انظر : غاية النهاية ١ / ٣٤١.
(٨) كما في كتاب الشواذ لابن خالويه ١٢٥.
(٩) المرجع السابق والبحر ٧ / ٣٢٩ والدر المصون ٤ / ٥٠٤ وفي شواذ القرآن ٢٠٢ : «إِنْ يُرِدْنِ» بفتح الياء وإثباته في الوقف طلحة وعيسى وأبو جعفر.
(١٠) في (ب) يردني تحريف.
(١١) في الكشاف : أي يجعلني موردا للضر.
(١٢) الكشاف ٣ / ٣١٩.
(١٣) في المضارع.
(١٤) في الماضي أورد.
(١٥) البحر ٧ / ٣٢٩.