يعلم قومه أن الله غفر له وأكرمه ليرغبوا في دين الرسل فلما قتل (١) حبيب غضب الله وعجل لهم النّقمة وأمر جبريل ـ عليه (الصلاة و) السلام ـ فصاح بهم صيحة واحدة فماتوا عن آخرهم فذلك قوله : (وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ) يعني الملائكة.
قوله : (وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ) في (ما) هذه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنها نافية (٢) كالتي قبلها فتكون الجملة الثانية جارية مجرى التأكيد للأولى.
والثاني : أنها مزيدة (٣) قال أبو البقاء : أي وقد كنا منزلين. وهذا لا يجوز البتة لفساده لفظا ومعنى(٤).
الثالث : أنها اسم معطوف على «جند» (٥) قال ابن عطية : أي من جند من الذين كنّا منزلين(٦) وردّه أبو حيان (٧) بأن «من» مزيدة ، وهذا التقدير يؤدي إلى زيادتها في الموجب جارة لمعرفة ومذهب البصريين غير الأخفش أن يكون الكلام غير موجب وأن يكون المجرور نكرة ، قال شهاب الدين: فالذي ينبغي عند من يقول بذلك (أن) (٨) يقدرها بنكرة أي : ومن عذاب كنّا منزليه والجملة بعضها صفة لها. وأما قوله إن هذا التقدير يؤدي إلى زيادتها في الموجب فليس بصحيح البتة وتعجّبت كيف يلزم ذلك (٩) (٩)؟!.
فصل
قال ههنا (وَما أَنْزَلْنا) بإسناد الفعل إلى النفس ، وقال في بيان حال المؤمن : (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ) بإسناد القول إلى غير مذكور لأن العذاب من الهيئة (١٠) فقال بلفظ التعظيم وأما إدخال الجنة فقال : قيل : (ليكون كالمهنأ (١١) بقول الملائكة وبقول كل صالح يراه ادخل الجنة خالدا كالتهنئة له ، وكثيرا ما ورد) في القرآن قوله تعالى : (قِيلَ ادْخُلُوا) إشارة إلى أن الدخول يكون دخولا بإكرام. فإن قيل : لم أضاف القوم إليه مع أن الرسل أولى بكون الجمع قوما لهم لأن الرسول لكونه مرسلا يكون جميع الخلق أو جميع من أرسل إليهم قوما لهم؟.
__________________
(١) في «ب» قبل.
(٢) قاله الزجاج في المعاني ٤ / ٢٨٣ وأبو البقاء في التبيان ١٠٨٠ والزمخشري في الكشاف ٣ / ٣٢٠ ورجح ذلك أبو حيان في البحر ٧ / ٣٣١ وانظر كذلك النحاس في الإعراب ٣ / ٣٩٠.
(٣) التبيان ١٠٨٠ وابن الأنباري ٢ / ٢٩٤ ومشكل الإعراب ٢ / ٢٢٤ والبحر ٧ / ٣٣١.
(٤) المرجع السابق ولفظا لأن زيادتها غير مشهورة في هذا المكان ومعنى لأن الله أهلكهم بصيحة بدون إنزال الملائكة.
(٥) البحر ٧ / ٣٣١ و ٣٣٢ والمشكل ٢ / ٢٢٤ والتبيان ٢ / ٢٩٤ والبيان ١٠٨٠ والسمين ٤ / ٥٠٦.
(٦) البحر ٧ / ٣٣١ و ٣٣٢.
(٧) السابق.
(٨) ساقط من «ب».
(٩) الدر المصون ٤ / ٥٠٦.
(٩) الدر المصون ٤ / ٥٠٦.
(١٠) في «ب» التهيئة.
(١١) ما بين القوسين كله ساقط من «ب».