فصل
الألف واللام في العباد قيل : للعهد وهم الذين أخذتهم الصيحة فيا حسرة على أولئك. وقيل : لتعريف الجنس أي جنس الكفار المكذبين (١) وقيل : المراد بالعباد الرسل الثلاثة كأن الكافرين يقولون عند ظهور اليأس يا حسرة عليهم يا ليتهم كانوا حاضرين لنؤمن بهم ثانيا (٢) ، وهم قوم (حبيب) (٣). وفي التحسر وجوه :
الأول : لا متحسر (٤) أصلا في الحقيقة إذ المقصود بيان (أن) (٥) ذلك وقت طلب الحسرة حيث تحققت الندامة عن تحقق العذاب وههنا بحث لغوي وهو أن المفعول قد يرفض كثيرا إذا كان الغرض غير متعلق به يقال (٦) : فلان يعطي ويمنع ولا يكون هناك شيء معطى ولا شخص معطى ، إذ المقصود أن له المنع والإعطاء ، ورفض المفعول كثير وما نحن فيه رفض الفاعل وهو قليل. والوجه فيه أن ذكر التحسر (٧) غير مقصود وإنما المقصود أن الحسرة متحققة في خلال الوقت.
الثاني : أن القائل يا حسرة هو الله على الاستعارة تعظيما للأمر وتهويلا له وحينئذ يكون كالألفاظ التي وردت في حق الله كالضّحك والسّخرية والتعجب والتّمنّي. أو يقال ليس معنى قوله يا حسرة أو يا ندامة أن القائل متحسر أو نادم (٨) بل المعنى أنه مخبر عن الوقوع وقوع الندامة ولا يحتاج إلى التجوز في كونه تعالى قائلا يا حسرة بل تجريه على حقيقته إلا في النداء فإن النداء مجاز والمراد الإخبار.
الثالث : أن المتلهفين من المسلمين والملائكة لما حكى عن حبيب أنه حين القتل كان يقول اللهم اهد قومي وبعد ما قتلوه وأدخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون فيجوز أن يتحسر المسلم للكافر ويتندم له وعليه. وقوله : (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) هذا سبب الندامة (٩).
فصل
قال الزهري الحسرة لا تدعى ، ودعاؤها تنبيه للمخاطبين ، وقيل العرب تقول : يا حسرتا ويا عجبا على طريق المبالغة. والنداء عندهم بمعنى التنبيه فكأنه يقول : أيها العجب هذا وقتك وأيتها الحسرة هذا أوانك وحقيقة المعنى أن هذا زمان الحسرة والتّعجّب (١٠).
__________________
(١) قالهما الرازي في تفسيره ٢٦ / ٦٢.
(٢) السابق ٢٦ / ٦٣.
(٣) سقط من (ب).
(٤) في (ب) تحسر.
(٥) سقط من (ب).
(٦) في «ب» فيقال.
(٧) في «ب» المتحسر.
(٨) في «ب» متحسّرا أو نادما. بالنصب.
(٩) وانظر هذا كله في تفسير الإمام الفخر الرازي ٢٦ / ٦٣.
(١٠) انظر : معالم التنزيل للبغوي ٦ / ٧ و ٨.