مقولان تكون معمولة لفعل محذوف يقتضي انقطاعها عما قبلها والضمير في «أنهم» عائد على معنى كم(١) ، وفي «إليهم» عائد على ما عاد عليه واو «يروا». (وقيل (٢) : بل الأول عائد على ما عاد عليه واو يروا) والثاني عائد على المهلكين (٣).
فصل
المعنى ألم يخبروا أهل مكة كم أهلكنا قبلهم من القرون والقرن أهل كلّ عصر سموا بذلك لاقترانهم في الوجود أنّهم إليهم لا يرجعون أي لا يعودون إلى الدنيا أفلا يعتبرون (٤). وقيل : لا يرجعون أي الباقون لا يرجعون إلى المهلكين بنسب (٥) ولا ولادة أي أهلكناهم وقطعنا نسلهم ولا شك أنّ الإهلاك الذي يكون مع قطع النّسل أتم وأعم. والأول أشه نقلا والثاني أظهر عقلا (٦).
قوله : (وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ) تقدم في هود (٧) تشديد «لمّا» وتخفيفها والكلام في ذلك ، وقال ابن الخطيب في مناسبة وقوع «لما» المشددة موقع «إلا» : إن لما كأنّها حرفا نفي جمعا وهما : «لم» و «ما» فتأكد النفي وإلا كأنها حرفا نفي : «إن ولا» فاستعمل أحدهما مكان الآخر انتهى (٨). وهذا يجوز أن يكون أخذه من قول الفراء في إلا في الاستثناء إنها مركبة من «إن ولا» إلا أنّ الفراء جعل إن مخففة من الثقيلة وجعلها نافية (٩). وهو قول ركيك ردّه عليه النحويون (١٠). وقال الفراء أيضا إنّ لما هذه أصلها لمما فخففت بالحذف وتقدم هذا كله موضّحا.
__________________
(١) الدر المصون ٤ / ٥١٢.
(٢) ما بين القوسين سقط من «ب».
(٣) المرجع السابق.
(٤) انظر : زاد المسير ٧ / ١٥.
(٥) في «ب» بسبب تحريف.
(٦) نقله الإمام فخر الدين الرازي في التفسير الكبير ٢٦ / ٦٤.
(٧) عند قوله تعالى : «وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ» من الآية ١١١ وبين هناك أنّ نافعا وابن كثير وأبا عمرو والكسائي قرأوا بتشديد : «لما» والباقون بالتخفيف وشدد «إن» ابن عامر وحفص وحمزة وخفف «إن» نافع وابن كثير ، وشددها وحدها أبو عمرو والكسائي وقرأ الزهري وسليمان بن أرقم وأن كلّا لما بتنوين كل ولما بمعنى وإنّ كلّا ملمومين أي مجموعين. وقرأ أبي : وإن كلّ لما على أن إن نافية ولما بمعنى إلا. وكما قرىء : وإن كلّا تخفيف إن من الثقيلة ، ونست لأبيّ وإن كل لما بتخفيف الميم وفتح الكاف.
(٨) تفسيره ٢٦ / ٦٤ و ٦٥.
(٩) وهو أحد وجهيه في المعاني ٢ / ٣٧٧ في تشديد وتخفيف «لمّا» قال : والوجه الآخر من التثقيل أن يجعلوا «لما» بمنزلة إلا مع «إن» خاصة فتكون في مذهبها بمنزلة إنما إذا. وضمت في معنى إلا كأنها «لم» ضمت إليها «ما» فصارا جميعا استثناء وخرجتا من حدّ الجحد. ثم يقول: ونرى أن قول العرب «إلا» إنما جمعوا بين «إن» التي تكون جحدا ـ أي نفيا ـ وضموا إليها «لا» فصارا جميعا حرفا واحدا وخرجا من حد الجحد إذ جمعتا فصارتا حرفا واحدا.
(١٠) وجدت في المغني لابن هشام ٢٨٢ قولا بهذا المعنى ولم يعقب عليه ، قال : وأما قراءة أبي بكر بتخفيف «إن» وتشديد «لما» فتحتمل وجهين : ـ