يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [فصلت : ٥٣] يعني أنت كفاك الله معرفا به عرفت كل شيء فهو شهيد لك على كل شيء وأما هؤلاء نبين (١) لهم الحق بالآفاق والنفس وكذلك ها هنا الأرض آية لهم ، فإن قيل : إن قلنا الآية مذكورة للاستدلال على جواز إحياء الموتى فيكفي قوله : «أحييناها» ولا حاجة إلى قوله : (وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا) وغير ذلك وإن قلنا : إنه للاستدلال على وجود الإله ووحدانيته فلا فائدة في قوله : (الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ) فقوله : (الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها) كاف في التوحيد فما فائدة قوله : (وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا)؟ فالجواب : هي مذكورة للاستدلال عليها ولكلّ ما ذكره الله تعالى فائدة أما فائدة قوله : (وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا) فهو بالنسبة إلى بيان إحياء الموتى لأنه لما أحيا الأرض وأخرج منها حبا كان ذلك إحياء تامّا لأن الأرض المخضرّة التي (٢) لا تنبت الزرع ولا تخرج الحبّ دون ما تنبته الحياة ، فكأنه تعالى قال : الذي أحيا الأرض إحياء كاملا منبتا للزّرع يحيي الموتى إحياء كاملا بحيث يدري الأمور وأما بالنسبة إلى التوحيد فلأن فيه تقرير النعمة ، كأنه يقول : آية لهم الأرض فإنها مكانهم ومهدهم الذي فيه تحريكهم وإسكانهم والأمر الضروري الذي عنده وجودهم وإمكانهم وسواء كانت ميتة أو لم تكن فهي مكان لهم لا بد لهم منها في نعمة ثم إحياؤها نعمة ثانية فإنها تصير أحسن (٣) وأنزه ثم إخراج الحبّ منها نعمة ثالثة فإن قوتهم تصير في مكانهم وكان يمكن أن يجعل رزقهم في السماء أو الهواء فلا يحصل لهم الوثوق ثم جعل الحياة منها نعمة رابعة لأن الأرض تنبت الحبّ في كل سنة والأشجار (٤) بحيث يوجد (٥) منها الثّمار فيكون بعد الحبّ وجودا ثم فجر منها العيون ليحصل لهم الاعتمال بالحصول ولو كان ماؤها من السماء لحصل ولكن لم يعلم أنها أين تغرس (٦) وأين (يقع) (٧) المطر.
فصل
المعنى «أحييناها» بالمطر (وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا) يعني الحنطة والشعير وما أشبههما (فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ) أي من الحب (وَجَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ) بساتين (مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ وَفَجَّرْنا فِيها) في الأرض (مِنَ الْعُيُونِ لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ) الحاصل بالماء (٨).
قوله : (وَفَجَّرْنا) العامة على التشديد تكثيرا لأنها (٩) مخففة متعدّية ، وقرأ جناح بن
__________________
(١) في «ب» والفخر : تبين.
(٢) في (ب) السقي. وما في الفخر موافق لما هنا في «أ».
(٣) وانظر : تفسير الإمام الفخر الرازي ٢٦ / ٦٨ و ٦٩.
(٤) في الرازي : وأما الأشجار.
(٥) وفيه : تؤخذ منها الثمار.
(٦) كذا هي هنا وفي الرازي وفي «ب» : الغرس.
(٧) سقط من «ب». وانظر : الرازي ٢٦ / ٦٦.
(٨) وانظر هذه التفسيرات في القرطبي ١٥ / ٢٥.
(٩) أي «فجر».