الرابع : أنه منصوب بإضمار فعل أي سخّرنا له الطّير. قاله أبو عمرو (١) ، وقرأ السّلميّ والأعرج ويعقوب وأبو نوفل (٢) وأبو يحيى (٣) وعاصم ـ في رواية ـ والطّير (٤) بالرفع ، وفيه أوجه : النسق على لفظ «الجبال» (٥) وأنشد :
٤١١٤ ـ ألا يا زيد والضّحّاك سيرا |
|
فقد جاوزتما خمر الطّريق (٦) |
بالوجهين ، وفي عطف المعرف بأل على المنادى المضموم ثلاثة مذاهب (٧) ، الثاني : عطفه على الضمير المستكن في «أوّبي» (٨) وجاز ذلك ؛ للفصل بالظرف (٩) ، والثالث : الرفع على الابتداء والخبر مضمر أي والطير كذلك (١٠) أي مؤوبة.
فصل
لم يكن الموافقون له في التأويب منحصرا في الطير والجبال ولكن ذكر الجبال لأن الصخور للجمود والطير للنفور وكلاهما مستبعد منه الموافقة ، فإذا وافقه هذه الأشياء فغيرها أولى ثم إن من الناس من لم يوافقه وهم القاسية قلوبهم التي هي أشدّ قسوة (١١). قال المفسرون كان داود إذا نادى بالنياحة أجابته الجبال بصداها وعكفت الطير على من فوقه فصدى الجبال الذي يسمعه الناس اليوم من ذلك وقيل : كان داود إذا تخلل الجبال
__________________
(١) المراجع السابقة.
(٢) أحمد بن المبارك بن نوفل أبو العباس النصيبي إمام مجوّد صادق مات سنة ٦٦٤ ه انظر : غاية النهاية ١ / ٩٩.
(٣) هو محمد بن عبد الرحمن أبو يحيى المكي أخذ عن إسحاق الخزاعي ، وأبي ربيعة روى عنه محمد بن أشتة مات سنة ٤٣ ه. انظر : الغاية ٢ / ١٦٣.
(٤) مختصر ابن خالويه ١٢١ والكتاب لسيبويه ٢ / ١٨٧ ، والقرطبي ١٤ / ٢١٦ والبحر ٧ / ٢٦٣ والكشاف ٣ / ٢٨١ والنشر ٢ / ٣٣٥.
(٥) ذكره النحاس في إعراب القراء ٤ / ٣٣٤ وأبو البقاء في التبيان ١٠٦٤ وابن الأنباري في البيان ٢ / ٢٧٥ والفراء في معاني القرآن ٢ / ٣٥٥ ومكي في المشكل ٢ / ٢٠٤.
(٦) من تمام الوافر وهو مجهول القائل. وشاهده : عطف «الضحاك» على زيد عطفا نسقيّا على اللفظ ويجوز فيه النصب عطفا على محل المنادى فالمنادى في محل نصب لأنه أصلا مفعول به والخمر :
بالتحريك ما سترك من شجر ونحوه. وانظر : معاني الفراء ٢ / ٣٥٥ وشرح المفصل لابن يعيش ١ / ٢٩ والهمع ٢ / ١٤٢ والدر ٢ / ١٩٦ والطبري ٢٢ / ٤٦ بلفظ «ألا يا عمرو».
(٧) الأولان الرفع حملا على لفظ المنادى والثاني النصب حملا على محله والثالث : التفصيل ، ولكل رجاله ومؤيدوه ، فالرفع اختيار الخليل وسيبويه والمازني والثاني اختيار عيسى بن عمر وأبي عمرو والجرمي والثالث وهو التفصيل إن كان المنادى معرفة فالاختيار النصب وإن كان نكرة فالرفع وهو يعزى للمبرد. انظر : توضيح المقاصد ٣ / ٢٩٥ ، ومقتضب المبرد ٤ / ٢١٢ و ٢١٣.
(٨) البيان ٢ / ٢٧٦ والتبيان ١٠٦٤ ومعاني الفراء ٢ / ٣٥٥ ومشكل القرآن ٢ / ٢٠٤ ومعاني الزجاح ٤ / ٢٤٣ وإعراب النحاس ٣ / ٣٣٤.
(٩) البيان والمشكل والتبيان المراجع السابقة.
(١٠) قاله أبو حيان ٧ / ٢٦٣.
(١١) قاله الرازي في تفسيره ٢٥ / ٢٤٥.