تقدم في نظيره (١) ، والظاهر أن الضميرين في «لهم» و «ذرّيّتهم» لشيء واحد (٢). ويراد بالذرية آباؤهم المحمولين في سفينة نوح ـ عليه (الصلاة و) السلام ـ أو يكون الضميران مختلفين أي ذرية القرون الماضية (٣). ووجه الامتنان عليهم أنهم في ذلك مثل الذرية من حيث إنهم ينتفعون بها كانتفاع أولئك. وقوله «ما يركبون» هذا يحتمل أن يكون من جنس الفلك إن أريد بالفلك سفينة نوح ـ عليه (الصلاة و) السلام ـ خاصة وأن يكون من جنس آخر كالإبل ونحوه ولهذا سمتها العرب سفن البرّ فقوله : (مِنْ مِثْلِهِ) أي من مثل الفلك أو من مثل ما ذكر من خلق الأزواج ، (في قوله (٤) «وآخر من شكله أزواج») (٥). والضمير في «لهم» يحتمل أن يكون عائدا إلى الذرية أي حملنا ذريتهم وخلقنا للمحمولين ما يركبون ، ويحتمل أن يعود إلى العباد الذين عاد إليهم قوله : (وَآيَةٌ لَهُمْ). وهو الظاهر لعود الضمائر إلى شيء واحد (٦). و «من» يحتمل أن تكون صلة أي خلقنا لهم مثله (٧) ، وأن تكون للبيان ؛ لأن المخلوق كان أشياء. وقال من مثل الفلك للبيان (٨). وتقدم اشتقاق الذّرّيّة في البقرة (٩) ، واختلاف القراء فيها في الأعراف (١٠).
فصل
قال المفسرون : المراد بالذّرّية (١١) الآباء والأجداد واسم الذرية يقع على الآباء كما يقع على الأولاد أي حملنا آباءكم في الفلك ، والألف واللام للتعريف أي فلك نوح وهو مذكور في قوله : (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ) [هود : ٣٧] وهو معلوم عند العرب. وقال الأكثرون (١٢) : الذرية لا تطلق إلا على الولد. وعلى هذا فالمراد إما أن يكون الفلك
__________________
(١) التبيان له ١٠٨٣.
(٢) الدر المصون ٤ / ٥٢٠.
(٣) البحر المحيط ٧ / ٣٣٨ والجامع لأحكام القرآن ١٥ / ٣٤ والدر المصون ٤ / ٥٢٠.
(٤) ما بين القوسين ساقط من «ب».
(٥) انظر السابق.
(٦) قاله الإمام الفخر الرازي ٢٦ / ٧٩.
(٧) وهذا رأي الأخفش وسيبويه يقول : «من» لا يكون صلة إلا عند النفي تقول ما جاءني من أحد كما في قوله تعالى : «وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ». نقلها الرازي في تفسيره.
(٨) قال بذلك الرّازي وانظر : التفسير الكبير له ٢٦ / ٨١.
(٩) عند الآية ٢٦٦ :«وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ». وبين المؤلف هناك أن الكسر والفتح والضمّ على فاء الكلمة لغات واردة وأنها إما أن تكون من ذروت فتكون ذرية أصلها «ذرّيوة» أو ذريت أو من ذرأ الله الخلق أو من الذّرّ. اللباب ميكروفيلم.
(١٠) عند قوله تعالى : «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ» الآية ١٧٢ وذكر هناك أنّ ابن كثير وعاصما وحمزة والكسائيّ بالإفراد. والباقون بالجمع. وانظر : اللباب ٣ / ١٧٤ ب.
(١١) الرازي ٢٦ / ٧٨.
(١٢) وقد اختاره الفراء في معاني القرآن فقال : «إنما يخاطب أهل مكة فجعل الذرية التي كانت مع نوح ـ