المعين الذي كان لنوح وإما أن يكون المراد الجنس كقوله تعالى : (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ) [الزخرف : ١٢] وقوله : (وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ) [فاطر : ١٢] وقوله : (فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ). إلى غير ذلك من استعمال لام التعريف في الفلك لبيان الجنس فإن كان المراد سفينة نوح ففيه وجوه :
الأول : أن المراد : حملنا أولادهم إلى يوم القيامة في ذلك الفلك ولو لا ذلك لما بقي للأب نسل ولا عقب وعلى هذا فقوله : (حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ) إشارة إلى كمال النعمة أي لم تكن النعمة مقتصرة عليكم بل متعدية إلى أعقابكم إلى يوم القيامة وهذا قول الزمخشري (١) ، ويحتمل أن يقال : إنه تعالى إنما خص الذريات بالذكر لأن الموجودين كانوا كفارا لا فائدة في وجودهم فقال : (حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ) أي لم يكن الحمل حملا لهم وإنّما كان حملا لما في أصلابهم من المؤمنين كمن حمل صندوقا لا قيمة له وفيه جواهر (ف) قيل (٢) : إنه لم يحمل الصندوق إنما حمل (٣) ما فيه.
الثاني : أنّ المراد بالذّرّيّة الجنس أي حملنا أجناسهم لأن ذلك الحيوان من جنسه ونوعه ، والذرية تطلق على الجنس ولذلك (٤) تطلق على النّساء كنهي النبي ـ عليه (الصلاة و) السلام ـ عن قتل الذّراري أي النساء (٥) لأنّ المرأة وإن كانت صنفا غير صنف الرجل لكنها من جنسه ونوعه يقال : ذرارينا أي أمثالنا.
الثالث (٦) : أن الضمير في قوله : (وَآيَةٌ لَهُمْ) عائد على العباد ، حيث قال : (يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ) وقال بعد ذلك : (وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ). (وإذا علم (٧) هذا فكأنه تعالى قال: «وآية للعباد أنا حملنا ذريتهم»). وإذا علم هذا فكأنه تعالى قال : «وآية للعباد أنا حملنا ذريات العباد». ولا يلزم أن يكون المراد بالضمير في الموضعين أشخاصا معيّنين كقوله : (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) [النساء : ٢٩] (وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ)(٨). وكذلك (٩)
__________________
ـ لأهل مكة لأنها أصل لهم فقال : «ذرّيتّهم» وهم أبناء الذرية». ٢ / ٣٧٩. وانظر : «اللّسان» : ١٤٩٤ و ١٤٩٥.
(١) معنى كلامه هذا في الكشاف ٣ / ٣٢٤. قال : «إنه حمل آباءهم الأقدمين وفي أصلابهم هم وذرياتهم».
(٢) زيادة لتكميل السياق.
(٣) هذا رأي الإمام الرازي في تفسيره ٢٦ / ٧٩.
(٤) في «ب» وكذلك.
(٥) السابق وانظره أيضا في الكشاف ٣ / ٣٢٤.
(٦) وهذه الأوجه كلها من ذكر الرازي الإمام الفخر. انظر المرجع السابق.
(٧) ما بين القوسين تكرير وزيادة من «أ» على «ب» ، والفخر الرازي.
(٨) كذا في النسختين الآية تلك ٦٥ من الأنعام وما في الرازي «ويريد بعضكم بعضا».
(٩) كذا في «ب» والرازي كذلك و «أ» لذلك.