بيان المنفعة (١) وإذا دفع المضرة فلا لأن الفلك كلما كان أثقل كان الخلاص بها أبطأ وهنالك السلامة فاختار هناك ما يدل على الخلاص من الضرر وهو الجري وههنا ما يدل على كمال المنفعة وهو الشّحن.
فإن قيل : قال تعالى : (وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) ولم يقل : وحملنا ذريتكم مع أن المقصود في الموضعين بيان النعمة لا دفع النّقمة نقول : لما قال في البرّ والبحر عمّ الخلق لأن ما من أحد إلا وحمل في البر والبحر وأما الحمل في البحر فلم يعمّ فقال إن كنا ما حملناكم بأنفسكم فقد حملنا من يهمكم أمره من الأولاد والأقارب والإخوان والأصدقاء.
فصل
وفي قوله : «المشحون» فائدة أخرى وهي أن الآدميّ يرسب في الماء ويغرق فحمله في الفلك واقع بقدرته لكن من الطّبيعيّين (٢) من يقول : الخفيف لا يرسب في الماء لأنه يطلب جهة فوق فقال : (الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) وهو أثقل من الثقال التي ترسب ومع هذا حمل الله الإنسان فيه مع ثقله.
فإن قيل : ما الحكمة في قوله : (وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ) (و) (٣)(وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ)؟ ولم يقل: وآية لهم الفلك جعلناها بحيث تحملهم؟.
فالجواب : أن حملهم في الفلك هو العجيب. أما نفس الفلك فليس بعجيب لأنه كبيت مبنيّ من خشب وأما نفس الأرض فعجيب ونفس الليل عجيب لا قدرة لأحد عليهما إلا الله (٤).
قوله : (وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ) قرأ الحسن بتشديد (٥) الراء وهذه الآية تدل على أن المراد بقوله : (مِنْ مِثْلِهِ) الفلك الموجود (٦) في زمانهم وليس المراد الإبل كما قاله بعض المفسرين بأن المراد الإبل لأنها سفن البرّ لأن ذلك يؤدي إلى أن يكون قوله : (وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ) فاصلا بين متصلين. ويحتمل أن يقال : الضمير في مثله يعود إلى معلوم غير مذكور. وتقريره أن يقال : وخلقنا لهم من مثل ما ذكر من المخلوقات كما في
__________________
(١) في «ب» فإذا وفي الرازي : فأما.
(٢) الأصح لها هكذا عند ما ننسب إلى لفظ المذكر. أما المؤنث فنقول الطّبيعيّات. وإنما فعلوا ذلك قصدا للفرق بين المذكر والمؤنث ومع حذف تاء التأنيث فالحذف يشجع الحذف.
(٣) زيادة للسياق. وانظر في هذا كله تفسير الرازي ٢٦ / ٨٠.
(٤) المرجع السابق.
(٥) من الأربع الشواذ على العشرة فقد نقلها صاحب الإتحاف ٣٦٥ وانظر : مختصر ابن خالويه ١٢٥ والكشاف ٣ / ٣٢٥.
(٦) في «ب» الموجودة.