فسبح الله جعلت الجبال تجاوبه بالتسبيح. وقيل : كان داود إذا لحقه فتور أسمعه الله تسبيح الجبال تنشيطا له (١).
قوله : «وألنّا» عطف على «آتينا» وهو من جملة الفضل ، قال ابن الخطيب : ويحتمل أن يعطف على «قلنا» في قوله (يا جِبالُ أَوِّبِي ... وَأَلَنَّا)(٢).
فصل
ألان الله تعالى له الحديد حتى كان في يده كالشمع والعجين يعمل منه ما يشاء من غير نار ولا ضرب مطرقة وذلك في قدرة الله يسير ، روي أنه طلب من الله أن يغنيه عن أكل مال بيت المال فألان الله له الحديد وعلمه صنعة اللّبوس وهي الدرع (٣) وأنه أول من اتخذها. وإنما اختار الله له ذلك لأنه وقاية للروح التي هي من أمره وتحفظ الآدمي المكرم عند الله من القتل ، فالزّرّاد (٤) خير من القوّاس والسّيّاف وغيرهما ؛ لأن القوس (٥) والسيف وغيرهما من السلاح ربّما يستعمل في قتل النفس المحرمة ، بخلاف الدّرع قال عليه (الصلاة (٦) و) السلام : «كان داود لا يأكل إلّا من عمل يده» (٧).
قوله : «أن اعمل» فيه وجهان :
أظهرهما : أنها مصدرية على حذف الجر (٨) أي لأن (٩).
والثاني : قاله الحوفيّ وغيره إنها مفسرة لقوله : (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) ليعمل (١٠) سابغات» ورد هذا بأن شرطها تقدم بما هو بمعنى القول ولم يتقدم (١١) إلا «ألنّا» ، واعتذر بعضهم عن هذا بأن قدّر ما هو بمعنى القول أي وأمرناه أن اعمل. ولا ضرورة تدعو إلى ذلك (١٢) ، وقرىء : «صابغات» (١٣) لأجل الغين وتقدم تقديره في لقمان عند «وأسبغ عليكم نعمه»
__________________
(١) انظر كل هذه الآراء في معالم التنزيل والخازن ٥ / ٢٨٣ وزاد المسير ٦ / ٤٣٦.
(٢) انظر : التفسير الكبير للرازي المرجع السابق ٢٥ / ٢٤٥.
(٣) في «ب» الدروع بالجمع.
(٤) هو صانع الدروع قال ابن منظور : «والزراد صانعها» اللسان : «زرد» ١٨٢٤.
(٥) في «ب» لأن السيف والقوس بتقديم كليهما على الآخر.
(٦) بزيادة من «ب».
(٧) الحديث رواه المقدام رضي الله عنه فيما أورده البخاري في صحيحة ٢ / ٦ كتاب البيوع وانظر في هذا الإمام الرازي ٢٥ / ٢٤٦.
(٨) في «ب» حرف الجر.
(٩) مشكل الإعراب لمكّي ٢ / ٢٠٤ والتبيان ١٠٦٤ والبيان ٢ / ٢٧٦ ومعاني الزجاج ٤ / ٢٤٤.
(١٠) المراجع السابقة.
(١١) الدر المصون ٤ / ٤١٧.
(١٢) لعله أبو حيان فقد وجدت هذا الاعتذار في بحره ٧ / ٢٦٣.
(١٣) لم تنسب إلا في الشواذ للكرمانيّ فقد نسبها لزيد بن علي انظر : الشواذ ١٩٧ وانظر : القرطبي ٤ / ٢٦٧ والكشاف ٣ / ٢٨٢ والبحر ٧ / ٢٦٣.