قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَما خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٤٥) وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (٤٦) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)(٤٧)
قوله : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا) جوابها محذوف أي أعرضوا يدل عليه قوله بعده : (إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ). وعلى هذا فلفظ «كانوا» (١) زائد ، قال ابن عباس : ما بين أيديكم يعني الآخرة فاعملوا لها ، وما خلفكم يعني الدنيا فاحذروها ولا تغترّوا بها (٢). وقيل : ما بين أيديكم وقائع الله فيمن كان قبلكم من الأمم وما خلفكم عذاب الآخرة قاله قتادة ومقاتل (٣) ، (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)(٤).
قوله : (وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ) أي دلالة على صدق محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ إلا كانوا عنها معرضين. وهذا الاستئناف في محل (نصب) (٥) حال (٦) كما تقدم في نظائره ، وهذه الآية متعلقة بقوله تعالى : (يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) أي إذا جاءتهم الرسل كذبوا وإذا أتوا بالآيات أعرضوا.
قوله : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا) لما عدد الآيات بقوله : (وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ)(٧) (و) (آيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ) (و) (آيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ) وكانت الآيات تفيد اليقين والقطع ولم تفدهم (٨) اليقين قال فلا أقلّ من أن يحترزوا (٩) وقوع العذاب ، فإن من أخبر بوقوع العذاب يتقيه وإن لم يقطع بصدق المخبر احتياطا فقال تعالى : إذا ذكرتم الدليل القاطع لا يعترفون به فإذا قيل لهم اتقوا لا يتقون فهم في غاية الجهل ونهاية الغفلة لا مثل العلماء الذين يبنون الأمر على الأحوط ويدل على ذلك قوله تعالى : (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) بحرف التمنّي أي أن يخفى عليه البرهان لا يترك الاحتراز والاحتياط.
قوله : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) أي أعطاكم الله. وهذا إشارة إلى أنهم بخلوا بجميع التكاليف لأن المكلف يجب عليه التعظيم لجانب الله والشفقة على خلق الله وهم تركوا التعظيم حيث قيل لهم : اتّقوا (فلم (١٠) يتّقوا) وتركوا الشفقة على خلق الله
__________________
(١) قاله الرازي في التفسير الكبير ٢٦ / ٨٣.
(٢) ورأي الكلبي أيضا. زاد المسير ٧ / ٢٣.
(٣) السابق.
(٤) أي لتكونوا على رجاء الرحمة من الله.
(٥) زيادة يتم لها الكلام والسياق.
(٦) قاله السمين في الدر ٤ / ٥٢١.
(٧) ما بين القوسين سقط من «ب».
(٨) في «ب» ولم يفدهم بالتذكير على أن الفاعل اليقين.
(٩) في النسختين : يجوزوا فإن من جوز. والتصحيح من الرازي ، انظر : الرازي ٢٦ / ٨٢.
(١٠) ما بين القوسين ساقط من «ب».