فاستعمل إن مكان «ما». وقيل : «إن زيد قائم» أي ما زيد بقائم. واستعمل ما في الشرط تقول : ما تصنع أصنع والذي يدل على ما ذكرنا أن «ما» النافية تستعمل بحيث لا تستعمل إن (وذلك) (١) لأنك تقول : «ما إن جلس زيد» فتجعل إن «صلة» ولا تقول : «إن (٢) جلس زيد» ، بمعنى النفي وبمعنى الشرط تقول : إمّا (٣) ترين فتجعل «إن» أصلا و «ما» صلة فدلنا هذا على أنّ «إن» في الشرط أصل و «ما» دخيل فيه و «ما» في النفي بالعكس.
فصل
قوله : (إِنْ أَنْتُمْ)(٤) يفيد ما لا يفيد قوله : «أنتم في ضلال» لأنه يوجب الحصر وأنه (٥) ليسوا في غير الضّلال. ووصف الضلال بالمبين أي أنه لظهوره تبين (٦) نفسه أنه ضلال أي في ضلال لا يخفى على أحد أنه في ضلال.
وقوله : (فِي ضَلالٍ) يفيد (٧) كونهم مغمورين فيه غائصين ، فأما قوله في موضع آخر : (عَلى بَيِّنَةٍ) و (عَلى هُدىً) فهو إشارة إلى كونهم راكبين متن الطريق المستقيم قادرين عليه (٨).
فصل
إنما وصفوا المؤمنين بأنهم في ضلال مبين لظنهم أن كلام المؤمنين متناقض ومن يتناقض كلامه يكون في غاية الضلال. قال ابن الخطيب : ووجه (٩) ذلك أنهم قالوا : أنطعم من لو يشاء الله أطعمه وهذا إشارة إلى أن الله إن شاء أن يطعمهم فهو يطعمهم فكان الأمر بإطعامهم أمرا بتحصيل الحاصل وإن لم يشأ إطعامهم لا يقدر أحد على إطعامهم لامتناع وقوع ما لم يشأ فلا قدرة لنا على الإطعام فكيف تأمروننا بالإطعام؟! ووجه آخر وهو أنهم قالوا إن أراد الله تجويعهم فلو أطعمناهم يكون ذلك سعيا في إبطال
__________________
(١) سقط من ب.
(٢) في ب «ما» بدل «أن» تحريف ولحن وربما سهو من النّاسخ.
(٣) الأصل إن ما ، فلفظ «إما» مركب من «إن» و «ما» وقلبت النون ميما وأدغمت الميمان في بعضهما ولقد أورد هذه القضية كلها الإمام الرازي في تفسيره ٢٦ / ٨٥. ولقد نقل السيوطي في الأشباه والنظائر أن «إما» مركبة من إن الشرطية وما النافية حيث قال : «ومن الاختصار تركيب إما العاطفة على قول سيبويه من إن الشرطية وما النافية». الأشباه والنظائر ١ / ٢٩. وهذا بخلاف كلامه في الهمع فقد ذكر أنها من «إن» و «ما» الزائدة. الهمع ٢ / ١٣٥ وهو رأي الكوفيين ونقله عنهم ابن هشام في المغني ٦١.
وانظر : قضايا التركيب ٢٠٦ و ٢٠٧.
(٤) في ب لا يفيد خطأ لأن الغرض الإيجاب لا النفي.
(٥) كذا في أوالرازي وفي ب أنهم ليسوا.
(٦) في ب مبين.
(٧) في ب مفيد.
(٨ و ٩) تفسير الرازي له ٢٦ / ٨٥ و ٨٦.