فعل الله وأنه لا يجوز وأنتم تقولون أطعموهم فهو ضلال. واعلم أنه لم يكن في الضلال إلا هم حيث نظروا إلى المراد ولم ينظروا إلى الطلب والأمر وذلك لأن العبد إذا أمره السّيد بأمر لا ينبغي الاطّلاع على المقصود (١) الذي لأجله الذي أمره به مثاله إذا أراد الملك الركوب للهجوم على عدوّه بحيث لا يطّلع عليه أحد وقال للعبد : أحضر المركوب فلو تطلع واستكشف المقصود الذي لأجله الركوب لنسب إلى أنه يريد أن يطلع عدوه على الحذر منه وكشف سره فالأدب في الطاعة هو اتباع الأمر لا تتبع المراد فالله تعالى إذ (ا)(٢) قال : أنفقوا مما رزقكم الله لا يجوز أن يقال : لم لم يطعمهم (الله) (٣) مما في خزائنه؟.
قوله تعالى : (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٨) ما يَنْظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (٤٩) فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (٥٠) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (٥١) قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (٥٢) إِنْ كانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ (٥٣) فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلا تُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)(٥٤)
قوله : (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ) أي القيامة والبعث (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) وهذا إشارة إلى ما اعتقدوا أن التقوى المأمور بها في قوله : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا) والإنفاق المذكور في قوله : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا) لا فائدة فيه لأن الوعد لا حقيقة له وقولهم : (مَتى هذَا الْوَعْدُ) أي متى يقع الموعود به.
فصل
«إن» للشرط وهي تستدعي جزاء (٤) و «متى» استفهام لا تصلح جوابا فيه فما الجواب؟.
قيل : هو في صورة الاستفهام وهو في المعنى إنكار كأنهم قالوا : إن كنتم صادقين في وقوع الحشر فقولوا متى يكون.
فصل
الظاهر أن هذا الخطاب مع الأنبياء لأنهم لما أنكروا الرسالة قالوا إن كنتم أيها المدّعون للرسالة صادقين فأخبرونا متى يكون ما تعدوننا به.
__________________
(١) في الرازي : لا ينبغي أن يكشف سبب الأمر والاطلاع على المقصود الذي أمر به لأجله.
(٢) ألف «إذا» زيادة من ب على أوالرازي.
(٣) سقط من ب.
(٤) أو جوابا فكلاهما صحيحان.