فإن قيل : ليس في هذا الموضع وعد فالإشارة بقوله : (هذَا الْوَعْدُ) إلى أي وعد؟.
فالجواب : هو ما في قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَما خَلْفَكُمْ) من قيام الساعة ، أو نقول : هو معلوم وإن لم يكن مذكورا لكون الأنبياء مقيمين على تذكيرهم بالساعة والحساب(١) والثواب والعقاب.
قوله : (ما يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً). قال ابن عباس : ما ينتظرون إلّا الصيحة المعلومة يريد النفخة الأولى (٢) ، والتنكير للتكثير.
فإن قيل (٣) : هم ما كانوا ينتظرون بل كانوا يجزمون بعدمها.
فالجواب : المراد بالانتظار فعلهم لأنهم كانوا يفعلون ما يستحق به فاعله الهوان وتعجيل العذاب وتقريب الساعة لو لا حكم الله وعلمه بأنهم لا يفوتونه أو يقال : لما لم يكن قولهم «متى» استفهاما حقيقيا قال ينتظرون انتظارا غير حقيقي لأن القائل متى يفهم منه الانتظار نظر لقوله.
فصل
ذكر في الصيحة أمورا تدل على عظمها :
أحدها : التنكير.
وثانيها : قوله «واحدة» أي لا يحتاج معها إلى ثانية.
ثالثها : «تأخذهم» أي تعمّهم بالأخذ وتصل إلى من في الأرض مشارقها ومغاربها (٤).
قوله : (وَهُمْ يَخِصِّمُونَ) قرأ حمزة بسكون الخاء وتخفيف الصاد من خصم يخصم. والمعنى يخصم بعضهم بعضا فالمفعول محذوف (٥) ، وأبو عمرو وقالون بإخفاء فتحة الخاء ، وتشديد الصاد. ونافع وابن كثير وهشام كذلك إلا أنه بإخلاص فتحة الخاء ، والباقون بكسر الخاء (٦) وتشديد الصاد والأصل في القراءات الثلاث يختصمون فأدغمت التاء في الصاد. فنافع وابن كثير وهشام نقلوا فتحتها إلى الساكن قبلها نقلا كاملا ، وأبو عمرو وقالون اختلسا حركتها تنبيها على أن الخاء أصلها السكون والباقون حذفوا حركتها
__________________
(١) وقد قال بهذه الأقوال كلها الإمام العلامة فخر الدين في التفسير الكبير ٢٦ / ٨٦.
(٢) قاله الخازن والبغوي في تفسيريهما ٦ / ١١.
(٣ و ٤) الرازي ٢٦ / ٨٦ و ٨٧.
(٥) انظر : الإتحاف ٣٦٥ والسبعة ٥٤١ وإبراز المعاني ٦٥٩ وكشف مكي ٢ / ٢١٧ و ٢١٨ والنشر ٢ / ٣٥٤ وتقريب النشر ١٦٥ ونسبها الفراء في المعاني إلى يحيى بن وثاب ٢ / ٣٧٩. وانظر : حجة ابن خالويه ٢٩٨ وزاد المسير ٧ / ٢٥ والكشاف ٣ / ٣٢٥.
(٦) المراجع السابقة وانظر في هذا كله البحر لأبي حيان ٧ / ٣٤٠ و ٣٤١ والدر المصون ٤ / ٥٢٢ وهي قراءات متواترة.