أقيم مقام الجمع والأول (١) أحسن ؛ إذ المصدر يفرد مطلقا (٢).
فصل
قال ابن عباس وأبيّ بن كعب وقتادة : إنما يقولون هذا لأن الله يرفع عنهم العذاب بين النفختين فيرقدون فإذا بعثوا بعد النفخة الأخيرة وعاينوا القيامة ، دعوا بالويل. وقال (أهل) (٣) المعاني : الكفار إذا عاينوا جهنم وأنواع عذابها صار عذاب القبر في جنبها كالنوم فقالوا : من بعثنا من مرقدنا (٤).
فإن قيل : لو قيل : فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون يقولون يا ويلنا كان أليق قال ابن الخطيب : نقول : معاذ الله وذلك لأن قوله إذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون إشارة إلى أنه تعالى بأسرع زمان يجمع أجزاءهم ويؤلفها ويحييها ويحركها بحيث يقع نسلانهم في وقت النفخ مع أن ذلك لا بدّ له من الجمع والتأليف فلو قال يقولون لكان ذلك مثل الحال لينسلون أي ينسلون قائلين يا ويلنا وليس كذلك فإن قولهم : يا ويلنا قبل أن ينسلوا وإنما ذكر النسلان لما ذكرنا من الفائدة (٥).
فإن قيل : ما وجه تعلق (مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا) بقولهم (يا وَيْلَنا)؟
فالجواب : لما بعثوا تذكروا (٦) ما كانوا يسمعون من الرسل فقالوا : يا ويلنا أبعث الله البعث الموعود به أم كنا نياما هنا كما إذا كان إنسان موعودا بأن يأتيه عدو لا يطيقه ثم يرى رجلا هائلا يقبل عليه فيرتجف في نفسه ويقول أهذا ذاك أم لا؟. ويدل على هذا قولهم : (مِنْ مَرْقَدِنا) حيث جعلوا القبور موضع الرّقاد إشارة إلى أنهم شكوا في أنهم كانوا نياما فنبهوا أو كانوا موتى فبعثوا وكان الغالب على ظنهم هو البعث فجمعوا بين الأمرين وقالوا من بعثنا إشارة إلى ظنهم أنه بعثهم الموعود به وقالوا من مرقدنا إشارة إلى توهمهم احتمال الانتباه (٧).
قوله : (هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ) في «هذا» وجهان :
أظهرهما : أنه مبتدأ وما بعده خبره (٨). ويكون الوقف تامّا على قوله : (مِنْ مَرْقَدِنا) وهذه الجملة حينئذ فيها وجهان :
__________________
(١) أي المصدر.
(٢) بالمعنى من البحر ٧ / ٣٤١ وباللفظ من الدر المصون ٤ / ٥٢٤.
(٣) سقطت من أالأصل فالتصحيح من ب والمرجعين الآتيين.
(٤) قال بذلك الإمامان الخازن والبغويّ في تفسيرهما : لباب التأويل ومعالم التنزيل ٦ / ١١.
(٥) قاله في التفسير الكبير الإمام الفخر الرازي ٢٦ / ٨٨.
(٦) في ب فذكروا وفي الرازي كما هنا أعلى.
(٧) انظر : تفسير الإمام الرازي ٢٦ / ٨٩.
(٨) في ب خبر بدون هاء الضمير. وانظر : التبيان ١٠٨٤ ، والبيان ٢ / ٢٩٨ ، ومعاني الزجاج ٤ / ٢٩١ ومعاني الفراء ٢ / ٣٨٠ ومشكل إعراب القرآن ٢ / ٢٣٠ والدر المصون ٤ / ٥٢٤ والكشاف ٣ / ٣٢٦ وإعراب النّحّاس ٣ / ٤٠٠ والقرطبي ١٥ / ٤٢.