يقال : إن كان ؛ لأن المعنى حينئذ ما وقع شيء إلا صيحة لكن التأنيث جائز إحالته على الظاهر (١). ويمكن أن يقول (٢) الذي قرأ بالرفع (٣) إن قوله : (إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ) [الواقعة : ١] تأنيث تهويل ومبالغة بدليل قوله تعالى : (لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ) [الواقعة : ٢] فإنها للمبالغة فكذلك ههنا قال : «إن كانت إلا موتتنا الأولى» تأنيث تهويل ، ولهذا جاءت أسماء يوم الحشر كلها مؤنثة كالقيامة والقارعة والحاقّة والصّاخّة إلى غيرها (٤).
والزمخشري يقول : كاذبة بمعنى ليس لوقعتها نفس كاذبة (٥) وتأنيث أسماء الحشر لكون الحشر مسمى بالقيامة. وقوله «محضرون» دليل على أنّ كونهم ينسلون إجباريّ لا اختياريّ (٦) ، ثم بين ما يكون في ذلك اليوم فقال : (فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً) فاليوم منصوب «بلا تظلم» (٧) ، و «شيئا» إما مفعول ثان وإما مصدر (٨).
فقوله : (لا تُظْلَمُ نَفْسٌ) ليأمن المؤمن (و) (وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) لييأس المجرم والكافر (٩).
فإن قيل : ما الفائدة في الخطاب عند الإشارة إلى يأس المجرم وترك الخطاب في الإشارة إلى أمان المؤمن؟
فالجواب : أن قوله : (لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً) يفيد العموم وهو كذلك فإنه لا يظلم أحدا وأما (لا تُجْزَوْنَ) فيختص بالكافر لأن الله يجزي المؤمن وإن لم يفعل فإن لله فضلا مختصا بالمؤمن وعدلا عاما فيه. وفيه بشارة.
قوله تعالى : (إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ (٥٥) هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ (٥٦) لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ (٥٧) سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (٥٨) وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ)(٥٩)
ثمّ بيّن حال المحسن (١٠) فقال : (إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ) فقوله : (فِي شُغُلٍ) يجوز أن يكون خبرا ل «إنّ» و «فاكهون» خبر ثان وأن يكون «فاكهون» هو
__________________
(١) الكشاف ٣ / ٣٢٠.
(٢) هذا قول الرازي. انظر التفسير الكبير له ٢٦ / ٩٠.
(٣) في ب نافع تحريف وخطأ.
(٤) الرازي ٢٦ / ٩٠.
(٥) قاله في الكشاف ٤ / ٥١.
(٦) الرازي ٢٦ / ٩٠.
(٧) قاله أبو حيان في البحر ٧ / ٣٤١ والسمين في الدر ٤ / ٥٢٤ و ٥٢٥.
(٨) المرجع الأخير السابق. ويقصد بالمفعول الثاني أنه «لظلم». والمفعول الأول هو نائب الفاعل وهو «نفس» والأصل : لا يظلم الله نفسا شيئا. ويقصد بالمصدر المصدر المقام مقامه لكلمة شيئا وهي صفته وهي إحدى النائبات عن المفعول المطلق كقولنا : «أحبّ الله كثيرا» أي حبّا كثيرا.
(٩) الرازي المرجع السابق.
(١٠) السابق.