و «قولا» إما مصدر مؤكد (١) ، وإما منصوب على الاختصاص (٢). قال الزمخشري : وهو الأوجه (٣) و (مِنْ رَبٍّ) إما صفة ل «قولا» وإما خبر «سلام» كما تقدم. وقرأ القرظيّ (٤) «سلم» بالكسر والسكون ، وتقدم الفرق بينهما في البقرة.
فصل
إذا قيل : بأن سلام بدل من (ما يَدَّعُونَ) فكأنه تعالى قال لهم ما يدعون ونبّه ببدله فقال : لهم سلام فيكون (٥) مبتدأ وخبره الجار والمجرور كما يقال : «في الدّار رجل ولزيد مال» وإن كان في النحو ليس كذلك بل هو بدل وبدل النكرة من المعرفة جائز (٦) ، فتكون «ما» بمعنى الذي معرفة ، وسلام نكرة. ويحتمل على هذا أن يقال : «ما» في قوله تعالى : (ما يَدَّعُونَ) لا موصوفة ولا موصولة بل هي نكرة تقديره لهم شيء يدّعون ، ثم بين بذكر البدل فقال : «سلام». والأول أصحّ. وإن قيل : سلام خبر «ما» و «لهم» لبيان الجهة فتقديره ما يدعون سلام لهم أي خالص لهم. والسّلام بمعنى السالم والسليم ، يقال : عبد سلام أي سليم من العيوب كما يقال : لزيد الشّرف متوفر فالجارّ والمجرور يكون لبيان من له ذلك ، و «الشرف» هو المبتدأ «ومتوفر» خبره ، وإن قيل : «سلام» منقطع عما قبله وهو مبتدأ وخبره محذوف فتقديره : سلام عليهم ويكون ذلك إخبارا من الله تعالى في يومنا هذا كأنه تعالى حكى لنا وقال : إنّ أصحاب الجنة في شغل ، ثمّ لمّا بين كمال حالهم قال : سلام عليهم كقوله تعالى : (سَلامٌ عَلى نُوحٍ) و (سَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ) فيكون الله تعالى أحسن إلى عباده المؤمنين كما أحسن إلى عباده المرسلين. أو يقال تقديره : سلام عليكم ويكون التفاتا حيث قال لهم كذا وكذا ، ثم قال : «سلام عليكم» (٧).
__________________
(١) التبيان والكشاف والإعراب للنّحّاس ٣ / ٤٠٢ والمشكل ٢ / ٢٣١.
(٢) وهو قول الزمخشري.
(٣) كشافه ٣ / ٣٢٧.
(٤) هو محمد بن كعب بن سليم أبو حمزة القرظيّ تابعيّ ، روى عن فضالة بن عبيد وغيره مات سنة ١٢٠ ه. انظر : غاية النهاية ١٣٣ / ٢. وقد ذكر قراءته ابن جني في المحتسب ٢ / ٢١٤ وهي من الشواذ وذكر المؤلف هناك في البقرة الفرق بين السّلم والسّلم عند الآية ٢٠٨ «ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً» وبين هناك أن السّلم ـ بالكسر ـ هو السلام وبالفتح الصلح أو أنهما بمعنى. اللباب ١ / ٤٢٠.
(٥) أي سلام وخبره الجار والمجرور ويكون في المعنى.
(٦) هذا رأي الجمهور فقد قال السيوطي في الهمع : والجمهور لا تجب موافقة البدل لمتبوعه في التعريف والإظهار وضدهما فتبدل النكرة من المعرفة والمضمر من المظهر والمفرد من غيره وبالعكوس كقوله تعالى : «إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ. صِراطِ اللهِ». «لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ. ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ».
(٧) وهذا كلام الإمام فخر الدين الرازي كله في تفسيره الكبير ٢٦ / ٩٤ من كون رفع «سلام» واتصاله بما قبله وانقطاعه ومن كون إعراب «ما» ونوعيتها وقد أوضحته قبل قليل بالتفصيل من كلام المؤلف نفسه وغيره مما اعتمد عليهم في آرائهم. والآيتان «سَلامٌ عَلى نُوحٍ» «وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ» ، من الصافات الأولى ٧٩ ، والثانية ١٨١.