فصل
إذا قيل : إنّ «قولا» منصوب على المصدر فتقديره على قولنا إن المراد لهم سلام هو أن يقال لهم سلام يقوله الله قولا. أو تقول (١) الملائكة قولا ، وعلى قولنا ما يدعون (٢) سلام لهم فتقديره قال الله ذلك قولا ووعدهم أن لهم ما يدعون سلام وعدا ، وعلى قولنا : سلام عليهم (٣) فتقديره أقوله قولا ، وقوله (مِنْ رَبٍ (٤) رَحِيمٍ) يكون لبيان (أن) (٥) السلام منه أي سلام عليهم من رب رحيم أقوله (٦) قولا ، ويحتمل (٧) أن يقال على هذا بأنه تمييز (٨) ؛ لأن السلام قد يكون قولا وقد يكون فعلا فإن من يدخل على الملك يطأطىء رأسه يقال (٩) : سلمت على الملك فهو حينئذ كقول القائل : موجود حكما لا حسّا.
فصل
روى جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «بينا أهل الجنّة في نعيمهم إذ سطع لهم نور فرفعوا رؤوسهم فإذا الرّبّ ـ عزوجل ـ قد أشرف عليهم من فوقهم فقال : السّلام عليكم يا أهل الجنّة ؛ فذلك قوله ـ عزوجل ـ : (سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) فينظر إليهم وينظرون إليه فلا يلتفتون إلى شيء من النّعيم ما داموا ينظرون إليه حتّى يحتجب عنهم فيبقى نوره وبركته عليهم في ديارهم» (١٠). وقيل: تسلم عليهم الملائكة من ربهم كقوله : (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) [الرعد : ٢٣ ـ ٢٤] أي يقولون سلام عليكم يا أهل الجنة من ربكم الرحيم ، وقيل : يعطيهم السلامة (١١).
قوله : (وَامْتازُوا) على إضمار قول مقابل لما قيل للمؤمنين أي ويقال للمجرمين امتازوا أي انعزلوا من مازه يميزه (١٢).
قال المفسرون : إن المجرم يرى منزلة المؤمن ورفعته (ويرى ذلّة نفسه) (١٣)
__________________
(١) كذا في النسختين وفي الرازي : تقوله بالهاء. وهذا على اعتبار أن «سلام» مبتدأ مؤخر.
(٢) وهذا على اعتبار أن «سلام» خبر ما.
(٣) وهذا على اعتبار أن سلام مبتدأ وخبره الناصب ل «قولا» كما أوضح هو وهذا رأي أبي حيان كما سبق.
(٤) وهو الجار والمجرور.
(٥) سقط ما بين القوسين من ب.
(٦) في ب أقول بدون عائد أو ضمير. وكلاهما صحيحان.
(٧) هذا رأي الإمام الفخر في تفسيره.
(٨) في النسختين مميز والتصحيح من الرازيّ والعرف اللّغويّ والسّياق.
(٩) في ب قال. وفي الرازي يقول.
(١٠) أخرجيه البغوي في تفسيره عن محمد بن المنكدر. انظره ٦ / ١٢.
(١١) السابق.
(١٢) الدر المصون ٤ / ٥٢٩.
(١٣) سقط من ب.