فيتحسر فيقال : امتازوا اليوم. وقيل : المعنى ادخلوا مساكنكم من النار ، وقال أبو العالية تميزوا ، وقال السدي : كونوا على حدة (١). وقال الزجاج : انفردوا عن المؤمنين (٢) والمجرم هو الذي يأتي بالجريمة. وقيل: إن قوله وامتازوا أمر تكوين فحين يقول فيميزون بسيماهم ويظهر على جباههم أو في وجوههم سواد كما قال تعالى : (يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ) [الرحمن : ٤١].
قوله تعالى : (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٦٠) وَأَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦١) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (٦٢) هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (٦٣) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٦٤) الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٦٥) وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (٦٦) وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ (٦٧) وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ)(٦٨)
قوله : (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ) العامة على فتح الهمزة على الأصل في حرف المضارعة ، وطلحة والهذيل بن شرحبيل (٣) الكوفي بكسرها (٤). وتقدم أن ذلك لغة في حروف المضارعة بشروط ذكرت في الفاتحة (٥) ، وقرأ ابن وثاب «أحّد» بحاء مشدّدة (٦) ، قال الزمخشري : وهي لغة تميم ومنه (٧) : «دحّا محّا» أي دعها معها فقلبت الهاء حاء ثم العين حاء حين أريد الإدغام ، والأحسن أن يقال : إن العين أبدلت حاء وهي لغة هذيل فلما أدغم قلب الثاني للأول وهو عكس باب الإدغام. وقد مضى تحقيقه آخر آل عمران ، وقال ابن خالويه وابن وثاب والهذيل : (أَلَمْ أَعْهَدْ) بكسر الميم والهمزة وفتح الهاء وهي على لغة من كسر أول المضارع سوى الياء (٨). وروي عن ابن وثاب «أعهد» بكسر الهاء
__________________
(١) معالم التنزيل للبغوي ٦ / ١٢.
(٢) قاله في معاني القرآن وإعرابه له ٤ / ٢٩٢.
(٣) لم أقف عليه.
(٤) من القراءات الشاذة وقد نسبها ابن خالويه إلى ابن وثاب ١٢٥ وقد ذكرها الزمخشري بدون نسبة كمعظم أقواله. انظر الكشاف ٣ / ٣٢٧ وانظر الدر المصون ٤ / ٥٢٨ والبحر المحيط ٧ / ٣٤٣.
(٥) وهي أن لا يكون حرف المضارعة ياء لثقل ذلك رغم أن بعضهم قال : ييجل مضارع (وجل) وأن يكون المضارع من ماض مكسور العين نحو : عهد وسمع ، أو في أوله همزة وصل نحو : نستعين من استعان أو تاء مطاوعة نحو نتعلم من تعلّم. انظر : اللباب ١ / ٢٧ ب.
(٦) المراجع السابقة.
(٧) الكشاف ٣ / ٣٢٧. وانظر : البحر المحيط ٧ / ٣٤٣ والدر المصون ٤ / ٥٢٨.
(٨) مختصر ابن خالويه ١٢٥.