فصل (١)
المعنى كما أعمينا قلوبهم لو شئنا أعمينا أبصارهم الظاهرة فاستبقوا الصراط فتبادروا إلى الطريق (فَأَنَّى يُبْصِرُونَ) كيف يبصرون وقد أعمينا أعينهم يعني لو نشاء لأضللناهم عن الهدى وتركناهم عميا يترددون فكيف يبصرون الطريق حينئذ؟ هذا قول الحسن ، وقتادة ، والسدي. وقال ابن عباس ومقاتل وعطاء وقتادة : معناه لو نشاء لفقأنا أعين ضلالتهم فأعميناهم عن غيهم وحولنا أبصارهم من الضلالة إلى الهدى فأبصروا رشدهم فأنى يبصرون ولم أفعل ذلك بهم. (وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ) أي مكانهم أي لو نشاء جعلناهم قردة وخنازير في منازلهم لا أزواج لهم (فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ) إلى ما كانوا عليه. وقيل : لا يقدرون على ذهاب ولا رجوع.
قوله : (وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ) قرأ عاصم وحمزة بضم النون الأولى وفتح الثانية وكسر الكاف مشددة من نكّسه مبالغة (٢) ، والباقون بفتح الأولى وتسكين الثانية وضم الكاف (٣) ، خفيفة من نكسه. وهي محتملة للمبالغة وعدمها. وقد تقدم في الأنعام أن نافعا وابن ذكوان قرءا «تعقلون» والباقون بالغيبة (٤).
فصل (٥)
معنى ننكسه نردّه إلى أرذل العمر شبه الصّبيّ في أول الخلق ، وقيل : ننكسه في الخلق أي ضعف جوارحه بعد قوتها ونقصانها بعد زيادتها (أَفَلا يَعْقِلُونَ) فيعتبرون (٦) ، ويعلمون أن الذي قدر على تصريف أحوال الإنسان يقدر على البعث بعد الموت.
قوله تعالى : (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (٦٩) لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ)(٧٠)
قوله : (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ) قال الكلبي : إن كفار مكة قالوا : إن محمدا شاعر ، وما يقوله شعر فأنزل الله تكذيبا لهم وما علمناه الشعر وما ينبغي له أي ما يتسهل له ذلك وما كان يتّزن له بيت شعر حتى إذا تمثل ببيت شعر جرى على لسانه
__________________
(١) انظر هذا الفصل في معالم التنزيل للبغوي ٦ / ١٤.
(٢) من القراءات المتواترة السبعية انظر : النشر ٢ / ٣٥٥ وتقريبه ٨٦٥ وحجة ابن خالويه ٣٩٩ والسبعة ٥٤٣ ومعاني الفراء ٢ / ٣٨١ والسمين ٤ / ٥٣٢. والمبالغة تجيء من التضعيف فقد قالوا : زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى.
(٣) انظر ما سبق من مراجع.
(٤) من الآية ٣٢ من الأنعام : (وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ).
(٥) معالم التنزيل للبغوي ٦ / ١٤ و ١٥.
(٦) في ب أفلا تعقلون فتعتبرون وتعلمون بالتاء.