قوله : (وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ) أي أذبنا له عين النّحاس. والقطر : النحاس (١) ، قال المفسرون: أجريت له عين النحاس ثلاثة أيام بلياليها كجري المياه ، وكان بأرض اليمن. وإنما ينتفع الناس اليوم بما أخرج الله لسليمان (٢).
قوله : (مَنْ يَعْمَلُ) يجوز أن يكون مرفوعا بالابتداء وخبره في الجار قبله أي من الجنّ من يعمل وأن يكون في موضع نصب بفعل مقدر أي وسخّرنا له من يعمل (٣) و (مِنَ (٤) الْجِنِّ) يتعلق بهذا المقدر ، أو بمحذوف على أنه حال أو بيان ، و «بإذن» حال أي ميسّرا بإذن ربه (٤) ، والإذن مصدر مضاف لفاعله ، وقرىء : (وَمَنْ يَزِغْ) بضم الياء من أزاغ ومفعوله محذوف أي يزغ نفسه (٥) ، أي يميلها و (مِنْ عَذابِ) لابتداء الغاية أو للتبعيض.
فصل
قال ابن عباس : سخر الله الجنّ لسليمان وأمرهم بطاعته فيما يأمرهم به ، ومن يزغ يعدل منهم من الجن عن أمرنا الذي أمرنا به من طاعة سليمان نذقه من عذاب السّعير في الآخرة (٦) ، وقيل : في الدنيا (٧) وذلك أن الله وكل بهم ملكا بيده سوط من نار فمن زاغ منهم عن أمر سليمان ضربه ضربة أحرقته.
قوله : (يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ) مفسر لقوله : (مَنْ يَعْمَلُ) و (مِنْ مَحارِيبَ) بيان ل (ما يَشاءُ)(٨). والمراد بالمحاريب : المساجد والأبنية المرتفعة ، وكان مما عملوا له بيت المقدس ، ابتدأه داود ورفعه قامة رجل فأوحى الله إليه أني لم أقض ذلك على يدك ولكن ابن لك أملكه بعدك اسمه سليمان أقضي تمامه على يده ، فلما توفاه الله استخلف سليمان فأحب إتمام بناء بيت المقدس فجمع الجن والشياطين وقسّم عليهم الأعمال فخص كل طائفة منهم بعمل يستصلحه له فأرسل الجن والشياطين في تحصيل الرّخام والميمها الأبيض من معادنه وأمر ببناء المدينة بالرّخام والصّفاح وجعلها اثني عشر ربضا وأنزل على كل
__________________
(١) غريب القرآن ٣٥٤ ومجازه لأبي عبيدة ٢ / ١٤٣.
(٢) انظر : زاد المسير ٦ / ٤٣٨ والخازن والبغوي ٥ / ٢٨٤ والقرطبي ١٤ / ٢٧٠.
(٣) قاله أبو البقاء في التبيان ١٠٦٥ ، وابن الأنباري في البيان ٢ / ٢٧٦ و ٢٧٧. والأخفش يجيز أن يكون «من يعمل» في موضع رفع بالجار والمجرور ، انظر : البيان المرجع السابق ، وقيل : إن «من» في موضع نصب على العطف على معمول «سخرنا له من الجن من يعمل». انظر مشكل الإعراب لمكي ٢ / ٢٠٥.
(٤) الدر المصون ٤ / ٤١٩.
(٥) قال عنهما ابن خالويه في المختصر ١٢١ : «وَمَنْ يَزِغْ» بعضهم. وأطلقت كلية في البحر ٧ / ٢٦٥ والكشاف ٣ / ٢٨٢ دون ضبط.
(٦) هذا رأي الضحاك.
(٧) هذا رأي مقاتل انظر : زاد المسير ٦ / ٤٣٩.
(٨) الدر المصون ٤١٩ ج ٤.