فصل
قال ابن (١) عباس : هما شجرتان يقال لإحداهما المرخ (٢) وللأخرى العفار (٣) فمن أراد منهما النار قطع منهما غصنين مثل السواكين وهما خضراوان يقطران الماء فيسحق المرخ على العفار فيخرج منهما النار بإذن الله تعالى. وتقول العرب : في كلّ شجر نار واستمجد (٤) المرخ العفار. وقالت الحكماء : في كل شجرنا إلا العنّاب (٥).
قوله : (فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ) أي تقدحون وتوقدون النار من ذلك الشجر ، ثم ذكر ما هو أعظم من خلق الإنسان فقال (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ) هذه قراءة العامة ودخلت الباء زائدة على اسم الفاعل ، والجحدريّ وابن أبي إسحاق والأعرج (٦) «يقدر» فعلا مضارعا (٧) ، والضمير في مثلهم قيل : عائد على الناس لأنهم هم المخاطبون وقيل : على السموات والأرض لتضمنهم من يعقل (٨) ، ثم قال : «بلى» (أي (٩) قل بلى) هو قادر على ذلك (وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ) (يخلق خلقا بعد (١٠) خلق) العليم بجميع ما خلق و «بلى» جواب «لليس» وإن دخل عليها الاستفهام لتصييرها إيجابا (١١) ، والعامة (١٢) على «الخلّاق» صيغة مبالغة ، والجحدريّ والحسن ومالك بن دينار (١٣) «الخالق» اسم فاعل (١٤).
__________________
(١) ذكره الخازن في لباب التأويل ٦ / ١٧ وكذلك البغوي في معالم التنزيل ٦ / ١٧.
(٢) من شجر النار معروف وهو شجر كثير الوري سريعه.
(٣) وهو شجر أيضا يتخذ منه الزّناد. والمرخ والعفار شجرتان فيهما نار ليس في غيرهما. وانظر : اللسان عفر ٣٠١٢ ومرخ ٤١٧١.
(٤) هذا مثل قالته العرب عن هاتين الشجرتين. انظر اللسان المرجع السابق ومعالم التنزيل ولباب التأويل للبغوي والخازن المرجعين السابقين. واستمجد المرخ والعفار استكثرا وأخذا من النار ما هو بحسبهما. وهو مثل يضرب في تفضيل بعض الشيء على بعض ، انظر : الجامع للقرطبي أيضا ١٥ / ٥٩ و ٦٠.
(٥) البغوي والخازن المرجعان السابقان. وقال في اللسان : العنّاب النبكة الطويلة في السماء الفاردة المحددة الرأس يكون أسود وأحمر وعلى كل لون يكون والغالب عليه السّمرة وهو جبل طويل في السماء لا ينبت شيئا. وانظر اللسان «ع ن ب» ٣١١٩.
(٦) حميد بن قيس الأعرج أبو صفوان المكي القارىء. روى عن سفيان بن عيينة وغيره. مات سنة ١٣٠ ه ، انظر : غاية النهاية ١ / ٢٦٥.
(٧) من الشواذ انظرها في المختصر ١٢٦ والإتحاف ٣٦٧ وانظر : الكشاف ٣ / ٣٣٢ وزاد المسير ٧ / ٤٢ وهي قراءة أبي بكر الصديق أيضا.
(٨) البحر المحيط ٧ / ٣٤٨ والدر المصون ٤ / ٥٣٥.
(٩) سقط من ب.
(١٠) كذلك.
(١١) فعند الإثبات تقول : بلى وعند النفي في غير القرآن تقول : نعم لا.
(١٢) في ب : والعائد. لحن وتحريف.
(١٣) السامي الناجي مولاهم أبو يحيى الزاهد الواعظ أحد الأعلام عن أنس وابن جبير وعطاء وعنه عاصم الأحول وثّقه النسائي. انظر : غاية النهاية ٢ / ٣٦ وخلاصة الكمال ٣٦٧.
(١٤) من الأربع فوق العشرة. ابن خالويه ١٢٦ والإتحاف ٣٦٧.