حتى يأمر (ها) الله بما يريد ، وقيل : هي الطير لقوله تعالى (وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ) (فَالزَّاجِراتِ زَجْراً) يعني الملائكة تزجر السحاب وتسوقه ، وقال قتادة : هي زواجر القرآن تنهى وتزجر عن القبيح (فَالتَّالِياتِ ذِكْراً) هم الملائكة يتلون ذكر الله وقيل : هم جماعة قرّاء القرآن ، وهذا كله قسم ، وقيل: فيه إضمار ، أي وربّ الصّافّات والزاجرات والتاليات (١).
فصل
قال أبو مسلم الأصفهاني (٢) لا يجوز حمل (٣) هذه الألفاظ على الملائكة لأنها مشعرة بالتأنيث والملائكة مبرأون عن هذه الصفة ، وأجيب بوجهين (٤) :
الأول : أن الصافات جمع الجمع فإنه يقال جماعة صافة ، ثم يجمع على صافات.
والثاني : أنهم مبرأون عن التأنيث المعنوي وأما التأنيث اللفظي فلا وكيف وهم يسمون بالملائكة مع أن علامة التأنيث حاصلة.
فصل
اختلف الناس (٥) ههنا في المقسم به على قولين :
أحدهما : أن المقسم به خالق هذه الأشياء لنهيه ـ صلىاللهعليهوسلم ـ عن الحلف بغير الله تعالى ولأن الحلف في مثل هذا الموضع تعظيم للمحلوف به ، ومثل هذا التعظيم لا يليق إلا بالله تعالى ومما يؤكّد هذا أنه تعالى صرح به في قوله : (وَالسَّماءِ وَما بَناها وَالْأَرْضِ وَما طَحاها وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها) [الشمس : ٥ ـ ٧].
الثاني : أن المقسم به هو هذه الأشياء لظاهر اللفظ فالعدول عنه خلاف الدليل وأما قوله تعالى : (وَما بَناها) فإنه علق لفظ القسم بالسماء (٦) ثم عطف عليه القسم بالباء في السماء ولو كان المراد من القسم بالسماء القسم بمن بنى السماء لزم التّكرار في موضع واحد وأنه لا يجوز وأيضا لا يبعد أن تكون (٧) الحكمة في قسم الله تعالى بهذه الأشياء التنبيه (٨) على شرف ذواتها.
__________________
(١) المرجع الأخير السابق.
(٢) محمد بن بحر الأصفهاني كان من أكابر المعتزلة له التفسير على مذهب المعتزلة وغيره من المؤلفات مات سنة ٣٢٢ ه انظر : بغية الوعاة ١ / ٥٩.
(٣) نقله عنه الرازي في التفسير الكبير وأجاب عن اعتراضه. الرازي ٢٦ / ١١٥ و ١١٦.
(٤) السابق.
(٥) لم أعثر على أن المقسم به هو الله إلا في الفخر الرازي ٢٦ / ١١٧ وسائر المراجع التي قلبتها أفادت أن المقسم به هو هذه الأشياء.
(٦) كذا هنا وفي الرازي وما في ب بدل السماء : «بمن بنى».
(٧) في ب : يكون بالتذكير.
(٨) في ب : للتنبيه.