السنة فإن للشمس ثلثمائة وستين مشرقا وثلثمائة وستين مغربا ، وأما قوله : «المشرقين والمغربين» فباعتبار الصّيف والشّتاء ، وقيل : المراد بالمشارق مشارق الكواكب ، لأن لكل كوكب مشرقا ومغربا ، (وقيل (١) : كل موضع شرقت عليه الشمس فهو مشرق وكل موضع غربت عليه الشمس فهو مغرب كأنه أراد رب جميع ما شرقت عليه الشمس وغربت) (٢).
فإن قيل : لم اكتفى بذكر المشارق؟.
فالجواب : من وجهين :
الأول : أراد المشارق والمغارب كما قال في موضع آخر : (فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ) [المعارج : ٤٠] وأنه اكتفى بذكر المشارق كقوله : (تَقِيكُمُ الْحَرَّ) [النحل : ٨١].
والثاني : أن الشروق قوى حالا من الغروب وأكثر نفعا من الغروب فذكر المشرق بينهما على كثرة إحسان الله تعالى (٣) على عباده. ولهذه الدقيقة استدل إبراهيم ـ عليه (الصلاة و) السلام ـ بالمشرق فقال : (فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ) [البقرة : ٢٥٨].
فصل
دلّ قوله تعالى : (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) على كونه تعالى خالقا لأعمال العباد ، لأن أعمال العباد موجودة فيما بين السموات والأرض وهذه الآية دلت على أن كل ما حصل بين السموات والأرض فالله ربه ومالكه وهذا يدل على أن فعل العبد حصل بخلق الله.
فإن قيل : الأعراض لا يصح وصفها بأنها حصلت بين السموات والأرض لأن هذا الوصف إنما يكون حاصلا في حيّز وجهة والأعراض ليست كذلك.
قلنا : إنها لما كانت حاصلة في الأجسام الحاصلة بين السماء والأرض فهي أيضا حاصلة بين السموات (٤) والأرض.
قوله تعالى : (إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ (٦) وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ (٧) لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ (٨) دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ (٩) إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ (١٠) فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ)(١١)
قوله : (إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ) قرأ عاصم برواية أبي بكر : «بزينة» منونة ونصب «الكواكب» (٥) وفيه وجهان :
__________________
(١) ما بين الأقواس سقط من ب.
(٢) انظر البغوي ٦ / ١٨.
(٣) انظر الرازي ٢٦ / ١١٨.
(٤) نقله الإمام الرازي في التفسير الكبير ١١٨ و ١١٩ ج ٢٦.
(٥) من القراءات السبعية المتواترة نقلها صاحب النشر ٢ / ٣٥٦ وكذلك الإمام ابن خالويه في الحجة ٣٠٠ ـ