ارتفع الكواكب به ، وإن جعلتها اسما لما يزان به فعلى هذا ترتفع «الكواكب» بإضمار مبتدأ أي هي الكواكب. وهي في قوة البدل (١) ، ومنع الفراء إعمال المصدر المنون وزعم أنه لم يسمع (٢) ، وهو غلط لقوله تعالى : (إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ) كما سيأتي إن شاء الله. قوله : «وحفظا» منصوب على المصدر ، بإضمار فعل أي حفظناها حفظا (٣) ، وإما على المفعول من أجله على زيادة الواو (٤) ، والعامل فيه زيّنّا ، أو على أن يكون العامل مقدرا أي لحفظها زيّنّاها أو على الحمل على المعنى المتقدم أي(٥) : إنا خلقنا السماء الدنيا زينة وحفظا ، و (مِنْ كُلِّ) متعلق «بحفظا» إن لم يكن مصدرا مؤكدا(٦) ، وبالمحذوف إن جعل مصدرا مؤكدا (٧) ؛ ويجوز أن يكون صفة «لحفظا» (٨) ، قال المبرد : إذا ذكرت فعلا ثم عطفت عليه مصدر فعل آخر نصبت المصدر لأنه قد دل على فعله كقولك : أفعل وكرامة لما قال أفعل علم أن الأسماء لا تعطف على الأفعال فكان المعنى أفعل ذاك وأكرمك كرامة (٩).
فصل
قال ابن عباس (زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا) بضوء (١٠) الكواكب «وحفظناها من كل شيطان مارد» متمرد يرمون بها ، وتقدم الكلام على المارد عند قوله : (مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ)(١١) [التوبة : ١٠١]. واعلم أنه تعالى بين أنه زين السماء لمنفعتين :
إحداهما : تحصيل الزينة.
والثانية : الحفظ من الشيطان المارد.
فإن قيل : ثبت في علم الهيئة أن هذه الكواكب الثوابت مركوزة في الكرة الثامنة وأن السيارات مركوزة في الكرات السّتّة المحيطة بسماء الدنيا فكيف يصح قوله : (إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ)؟.
__________________
(١) السمين ٤ / ٥٣٨.
(٢) انظر : المعاني ١ / ١٤٥ و ٣١٨ و ٣١٩ و ٣٤٦ و ٤٠٦ و ٣ / ٢٣٤ و ٢٤٩.
(٣) قاله الزجاج ٤ / ٢٩٨ والنحاس ٣ / ٤١١ ومكي في المشكل ٢ / ٢٣٤ والتبيان ١٠٨٨ والأخفش في معانيه ٢ / ٦٦٨.
(٤) قاله الزمخشري في الكشاف ٣ / ٣٣٥ معنى وأبو حيان والسمين في كتابيهما لفظا انظر : البحر ٧ / ٣٥٢ والدر ٤ / ٥٣٩ وانظر : المغني لابن هشام في باب العطف على المعنى ٤٧٩.
(٥) المراجع السابقة.
(٦) السمين في الدر ٤ / ٥٣٩.
(٧) أبو البقاء في التبيان ١٠٨٨.
(٨) السمين المرجع السابق.
(٩) قاله في المقتضب. وقد نقله عنه الإمام الرازي ٢٦ / ١٢٠.
(١٠) في ب : وضوء. وانظر : الخازن ٦ / ١٨.
(١١) وأوضح هناك أن المارد هو العاتي. ويقولون مرد على الأمر يمرد مرودا ومرادة فهو مارد ومريد.
وتمرد : أقبل.